فك سامي رباط بنطاله بسرعة عالية محاولًا ربط قدمه اليمنى بقوة، كانت دمائه تتناثر على يمينه ويساره، فيما يعلو صراخه من شدة الألم، "إسعاف إسعاف يا جماعة رجلي..!"، في تلك اللحظة تساقطت على جسده شظايا ركام الجدار المستهدف كالمطر، وبصعوبة ومشقة حاول النجاة بروحه زحفًا على بطنه إذ تمكن بشق الأنفس من الزحف لمسافة نحو مترين داخل ممرٍ ضيق دون أن يشعر بقدمه مطلقًا لينجو من قصف "إسرائيلي" استهدف مجموعة من الصحفيين في المخيم الجديد بالنصيرات وسط قطاع غزة.
تصاعد صراخ الزميل المصور سامي شحادة مع تأخر وصول سيارات الإسعاف للمكان المستهدف، ولحسن الحظ ركض رجل وفتاة نحو سامي بسرعة البرق، إذ خلع الرجل ملابسه -بلوزة- فيما بادرت الفتاة بخلع منديلها محاولان وقف النزيف وتقديم الإسعافات الأولية، فيما لحق بهم مجموعة من الفتية ببطانية وعلى وجه السرعة وضع الجميع سامي بين جنبات البطانية لينقلوه إلى مكان آمن.
"رجلي .. رجلي" قالها سامي وهو بكامل وعيه، كانت دقات قلبه ترتجف والدماء تتناثر من أنحاء مختلفة من جسده الطاهر، ثم طلب احتضان كاميرته ونقله عبر - جيب تابعة للصحافة- على وجه السرعة إلى مستشفى العودة داخل مخيم النصيرات وسط القطاع.
صباح يوم "الجمعة "12 إبريل 2024" قرر سامي شحادة وزميليه سامي برهوم وأحمد حرب الانتقال من مدينة رفح جنوب القطاع إلى مخيم النصيرات؛ لتغطية الأحداث الساخنة شمال المخيم، ارتدى الزملاء الدروع الصحفية بالكامل وحملوا الكاميرات وانتقلوا بالجيب الذي يحمل إشارات الصحافة (TV و إشارة Press) للتعريف بهويتهم؛ لكن تلك الإشارات المحمية دوليًا ركلتها "إسرائيل" بقذائفها المدفعية دون أي احترام للقوانين الدولية التي تحمي الصحفيين وقت الحرب.
توجه سامي وزملائه الصحفيين للمنطقة الساخنة في المخيم بهدف تصوير "حركة نزوح الناس، والمباني والطرقات والبنى التحتية قبل أن تصلها آليات الاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته حاولوا التقاط صور بعيدة لدبابات الاحتلال وجنوده"، كما قال سامي الذي كان على بعد 3 كيلو متر من الآليات الإسرائيلية.
تحرك سامي في منطقة مكشوفة للآليات العسكرية وللطائرات الحربية، إذ يهدف سامي من ذلك كما بين لمراسل "شمس نيوز" إلى التحرك بحرية وفق القوانين الدولية التي تحمي الصحفيين أثناء الحروب، ليمنع أي خطأٍ أو الاشتباه بهم لاستهدافهم حيث تميز الصحفيين بزيهم الصحفي الكامل من الطاسة إلى الدرع والكاميرات.
وما أن وصل سامي إلى مكان لتصوير حركة نزوح الناس حتى فاجأتهم دبابات الاحتلال بإطلاق قذيفة مدفعية قاتلة سقطت في منتصف الزملاء الصحفيين ما أدى لأصابتهم بشكل مباشر، هنا أصيب سامي شحادة مباشرة ببتر في قدميه وشظايا في جميع أنحاء جسده، بينما أصيب سامي برهوم في أنحاء متفرقة من جسده بالشظايا أما أحمد حرب فكان بعيدًا عن مكان الاستهداف قليلًا رغم اصابته بالخوف الشديد على نفسه وزملائه، وفي ذات الاستهداف أصيب الزميلين أحمد بكر اللوح ومحمد الصوالحي بجروح طفيفة".
رغم إصابة شحادة ببتر قدمه، إلا أنه كان واعيًا منذ اللحظة الأولى للإصابة، حاول جاهدًا انقاذ قدمه بمساعدة الناس التي هرعت للمكان أثناء القصف، وبشكل عاجل نقل سامي لمستشفى العودة في مخيم النصيرات، وهناك قدمت الإسعافات الأولية بشكل جيد ليتم تحويله إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.
استقبل الأطباء سامي الذي شعر بالتعب الشديد وبدأ يناشد الأطباء بصوت تختنق به الكلمات والحروف "أمانة ما تقطعوا رجلي خلوها موجودة"، يقول سامي لمراسلنا: "كنت أتمنى أن تبقى قدمي لأواصل رسالتي المهنية والصحفية مباشرة بعد الخروج من المستشفى، لكن قدر الله وما شاء فعل".
بترت قدم سامي، لكن أحلامه لم تتأثر قيد أنملة فقد وعد زوجته وابنتيه "ماريا وكندا" بمواصلة عمله لنقل رسالة شعبنا للعالم أجمع وفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي خلال الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" ضد أبناء قطاع غزة منذ (السابع من أكتوبر 2023).
ويأمل الزميل سامي بأن يكون هو الصحفي الأخير الذي يصاب في الحرب الإسرائيلية بغزة وأن يتم نقله للخارج لتركيب طرف صناعي، لافتًا إلى أن المجازر التي تستهدف الصحفيين مروعة ومفزعة وأكثر ما يطلبه هو الضغط الدولي من مؤسسات حماية الصحفيين على جيش الاحتلال الإسرائيلي لوقف استهداف الصحفيين "بكفي بكفي!".
(140 صحفيًا) في قطاع غزة استشهدوا جراء استهدافهم بشكل مباشر من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي وآلياته العسكرية منذ (السابع من أكتوبر 2023) وفقًا لتصريح نشره المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بتاريخ (12 إبريل 2024).