كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة من مساء الإثنين الماضي، حين ارتسمت علامات الفرح على وجه محمد منصور (14 عاماً): «أخيراً، بدّي أسافر وأتعالج وأغيّر جوّ». بسرعة، انتفض من مكانه وبدأ يجهّز حقيبته، لكن مع ساعات الفجر الأولى من اليوم التالي، كانت المفاجأة التي أقعدت محمد ليندب حظّه: «ليش هيك، والله الوجع ذبحني وأنا خايف من بتر إيدي». كان هذا بعدما شاهد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دبابات الاحتلال وهي تستعرض قوّتها بإطلاق النار في اتجاه صالة المغادرة داخل معبر رفح البري، النافذة الوحيدة لقطاع غزة إلى العالم الخارجي.
فمنذ فجر الثلاثاء، تحرّكت الدبابات نحو المعبر، بالتزامن مع أحزمة نارية تنفّذها مختلف أنواع الطائرات، وإطلاق للقذائف المدفعية في المناطق الجنوبية الشرقية لمدينة رفح، جنوبي القطاع. وأسفرت العملية الخاطفة تلك عن احتلال معبر رفح والتوغّل في المناطق الشرقية للمدينة، وهو ما تسبّب في إحكام الحصار على القطاع من كل الاتجاهات، ووضع الآلاف من الجرحى والمرضى في خطرٍ كبير. ومن بين هؤلاء، الفتى منصور، الذي أصيب في كتفه وقدمه في قصف إسرائيلي قرب «مدرسة العائشية» في دير البلح وسط غزة، وكان من المفترض علاجه بسهولة، غير أن اكتظاظ المستشفيات التي تعاني قلّة الإمكانيات حال دون ذلك.
هكذا، أصيب محمد بالتهابات شديدة دفعته إلى التقديم من أجل السفر للعلاج في الخارج. وبعدما سجّل اسمه في قائمة الانتظار الطويلة، تمّت الموافقة أخيراً على سفره بعد أكثر من شهر، غير أن اجتياح معبر رفح ومنع الاحتلال سفر المرضى والجرحى، فاقما من معاناة محمد الذي بات يخشى بتر ذراعه.
وكغيره من عشرات الآلاف من الجرحى، يأمل الفتى في أن يصار سريعاً إلى إعادة فتح المعبر لإنقاذهم من خطر الموت. لكن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أكد أن الاحتلال الإسرائيلي «يتعمّد تأزيم الوضع الإنساني عبر إيقاف إدخال المساعدات، وإغلاق معبرَي رفح وكرم أبو سالم، واستهداف المستشفيات والمدارس بعدوانه شرقي رفح».
وقال المكتب، في بيان، إن «الواقع شرقي رفح يشير إلى كارثة إنسانية حقيقية ستمتدّ لتشمل كلّ محافظات القطاع، والتي تعيش حالة مأساوية من التجويع الممنهج والنقص في الإمدادات والمساعدات، ثم يأتي قرار الاحتلال إيقاف المساعدات وإغلاق المعابر، ليفاقم الوضع الإنساني بشكل كارثي، وهو ما يستدعي تدخّلاً دولياً فورياً وعاجلاً بالضغط على الاحتلال لوقف هذا العدوان، ووقف شلال الدم المتدفّق، ووقف حرب الإبادة الجماعية ضدّ المدنيين والأطفال والنساء».
وكانت وزارة الصحة في غزة قد أعلنت، في وقت سابق، أن نحو 11 ألف جريح بحاجة ماسة إلى العلاج في الخارج، بسبب خطورة وضعهم الصحي.
المصدر: الأخبار اللبنانية - مطر الزق