تركض بشكل جنوني على درجات السُلَّم لتصطدم بكل شيء يعترض طريقها، دخانٌ يتصاعد، وغبار يملأ المكان، ونيران القلب تغلي "ابني هيثم بلعب كرة"، أشعة الشمس التي تخترق جزءا من فتحات باب المنزل أرشدتها على طريق الخروج، لرؤية ما فعله صوت الانفجارين الكبيرين.
بيدها اليمنى تُزيح والدة الطفل هيثم الأشقر ما التصق بوجهها من غيار واتربة، وبيدها الأخرى تحاول رفع الركام، ثم تقفز بشكل متعرج هنا وهناك بحثا عن أي إنسان على قيد الحياة "ما هذا؟ أين منازل الجيران؟ ما هذه الحجارة؟ أين ابني وابناء زوجي؟".
بصعوبة ابتلعت والدة هيثم ريقها المتحجر والممزوج برائحة البارود، عندما مر أحدهم من أمامها يحمل بين ذراعيه طفلا صغيرا، تسيل الدماء من ذراعه كالشلال، دون أن يصدر المصاب أي صوت فيما يصرخ من يحمله بأعلى صوته: "الله أكبر، حسبنا الله ونعم الوكيل، الأرض مليانة أشلاء للأطفال".
وقع الحدث المفجع قبل أسابيع عدة مساء يوم الجمعة في المخيم الجديد بالنصيرات وسط قطاع عزة، تحديدا أثناء لهو الأطفال بكرة القدم أمام منزلهم.
كانت البسمة ترتسم على شفاه الطفل هيثم وأشقائه وأبناء أشقائه أثناء تمرير الكرة بين أقدامهم، قبل أن تتسلل طائرة إسرائيلية أجواء الملعب دون أي صافرة إنذار أو كرت أحمر؛ لتلقي أطنانا من المتفجرات وتحول ملعب الأطفال إلى رماد.
صاروخان من طائرة إسرائيلية (أف 16) سقطا فوق أرضية ملعب الأطفال؛ لتدمر المبنى المجاور وتتطاير أشلاء الأطفال عشرات الأمتار.
فوراً هرع الجيران الأحياء وسكان المخيم الجديد وراء الانفجارين، أحدهم وجد جثة تحت الركام ما زال قلبها ينبض "تعالوا شيلو هالطفل، قاعد بتنفس" وبصعوبة بالغة تمكن الأحياء من انتشال الجثة.
صوت والدة هيثم المليئ بالألم والتعب ما زال يصدح باحثا عن الطفل، أحدهم يجيبها والدموع تنهمر من عينيه "نقلوا هيثم على مستشفى العودة والحمد لله اصابته خفيفه".
زادت نبضات قلبها وانطلقت مسرعة صوب المشفى، لتصطدم بالمشهد المؤلم، فهناك صوت سيارات اسعاف لا يتوقف وحشد كبير من الناس، بعضهم امتلأت ملابسهم بالدماء والأخر تمزقت اجسادهم وهناك من تشوهت وجوههم.
تدور والدة هيثم بين أقسام المشفى وبعد وقت من البحث وجدت طفلها بحالة صعبة "كان يتمدد على الأرض في ساحة الاستقبال والطوارئ، ذراعه مبتورة، والدماء تخرج من أنحاء متفرقة من جسده، وبعد ساعة تقريبا تم تحويله لمستشفى الأقصى بدير البلح لخطورة حالته".
رنين أجهزة التنفس زاد من خوف والدة هيثم التي تقول لمراسل "شمس نيوز": "استشهد في المجزرة 10 أشخاص بينهم شقيقين لهيثم من والده واثنين من أبناء أشقائه، والإصابات كانت كثيرة؛ لكن هيثم أخطرهم".
ساعات وخرج هيثم من العناية المكثفة دون ذراع؛ ليبقى تحت العناية المكثفة، "الحمد لله خرج هيثم وتجاوز حالة الخطر الشديد؛ لكنه فقد ذراعه وبات عاجزا من فعل أي شيء".
يحب هيثم قيادة الدراجة الهوائية ومساعدة والدته بنقل المياه وشراء ما يلزم للأسرة، والكتابة والدراسة والرسم، هذا الحب الكبير للحياة دمرته "دولة إسرائيل" بغمضة عين.
وبات حلم هيثم الصغير السفر خارج قطاع غزة المحاصر من كل زاوية بهدف تركيب طرف صناعي يعيد له الأمل بالحياة.