غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

بالصور فريال الشوربجي.. فتاة غزية عاشت ثلاثية البعد والفقد والإصابة "نفسي أرجع زي أي صبية"

فريال الشوربجي المصابة.jpg
شمس نيوز - مطر الزق

كانت وسادتها غارقة بالدموع، والسرير الذي يحتضن جسدها مليئ ببقع الدماء، يفصل بينها وبين جيرانها من الجرحى والمصابين قطعة قماش، لا توفر لها الخصوصية مطلقا كلما خرجت صرخة مدوية من أعماق قلبها تهرع إليها زوجة والدها بجسد يرتجف من الخوف ليلحق بها كل من كان بالقرب منها ليخفف الألام التي أصابت الفتاة فريال الشوربجي.

فريال (20 عاما) أصيبت ببتر في ساقها اليسرى وكسور عميقة في ساقها اليمنى بينما أصيب جسدها بجروح غائرة جعلها طريحة الفراش منذ أكثر من 15 يوما، وهي الناجية الوحيدة من مجزرة إسرائيلية خطفت (31 شخصا غالبيتهم من الأطفال والنساء) من عائلتي الشوربجي وحسان في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

وتبكي فريال فقدان والديها وجدتها وأقربائها لكن حرقتها تزداد كلما تذكرت أنها على قيد الحياة، وبكلمات مخنوقة تخرج من صميم قلبها: "كنت بحب الحياة، بدي أفرح إمي وأبي بمستقبلي العلمي وأكون أجمل عروسة لكن الآن ضاع كل حاجة حلوة بالحياة".

تحاول فريال تمرير يدها على ساقها علها تشعر بها وتردد: "حتى رجلي بترت، وانحرمت الجلوس مع الفتيات والسير بالطرقات وممازحة الأطفال" فحلمها بات تركيب طرف صناعي فقط للاعتماد على نفسها.

حكاية فريال الشوربجي مؤلمة حقا، فهي بدأت هناك بالقدس المحتلة حيث ولدت في منطقة العيزرية لأب يعشق تراب فلسطين، كان صاحب محل تجاري، ويمتلك شخصية جذابة.

ففي أحد الأيام الهادئة انقلبت الحياة رأسا على عقب في منزل العائلة، صوت انفجارات وصراخ شديد يملأ المكان، كان هناك مجموعة من الجنود يركلون الباب بقوة، لكن فريال سمعت احدهم يقول "افتخ الباب احنا جيش".

انفجار الباب كان اقرب من أن يتحرك والد فريال بضعة أمتار لفتحه، وقف مندهشا أمام مجموعة من الجنود المدججين بالسلاح وهي تقتحم المنزل وتصرخ بأعلى صوتها لبث الرعب والخوف في قلوبهم "وين أخمد!؟" فأحمد يقف أمامهم دون أي حركة أجابهم "هيني هون!".

اندفع الجنود للاعتداء عليه وضربه بشكل متعمد أمام زوجته وطفليه "فريال 5 أعوام  ومحمد عامين" في ذاك الوقت، في تلك اللحظة استعادت فريال شريط ذكرياتها لتسرد باقي الحكاية لمراسل "شمس نيوز": "ضربوه وغمو عينيه أمامنا ونقلوه للسجن ولم نراه مطلقا مدة أربع سنوات ونصف".

اعتقل والد فريال (عام 2003 وأفرج عنه عام 2008) وبعد عام تقريبا اقتحم جنود الاحتلال المحل التجاري لأحمد واعتقاله بشكل مفاجئ.

فورا تواصلت عائلة أحمد مع جمعية لحقوق الانسان لمعرفة مصير نجلها الذي اعتقلته قوات الاحتلال فكان ردها مفاجئا؛ الجيش قرر ابعاده إلى قطاع غزة عام (2009) ويمنع لم شمل العائلة.

ثلاث سنوات قضاها أحمد في منزل عمته بغزة بعيدا عن أسرته، قبل أن تسمح قوات الاحتلال لزوجته رُسيلة الشويكي وطفليه فريال ومحمد بزيارة قطاع غزة لمدة (6 شهور) وكان لقاء مؤثرا جدا تقول فريال: "يا الله ما اجمله من يوم، كنت اتذكر تفاصيله رغم صغري، بكينا كثيرا من الاشتياق" وبعد انتهاء مدة تصريح الدخول لغزة توجهت زوجة احمد واطفالها لمعبر ايرز شمال قطاع غزة وهناك كانت الصدمة: "أنتِ مسموح تعودي للقدس أما الاطفال ممنوع بشكل كامل" وهنا تفرقت العائلة مرة أخرى.

في اليوم الأول لعودتها إلى الضفة حاولت استصدار تصريح جديد لزيارة غزة، لكن الاستجابة كانت طويلة جدا فبعد (6 شهور) سمح لها الاحتلال بالزيارة وكانت تتردد إلى غزة مرتين كل عام.

كانت عيني فريال تلمع بسبب الدموع  المنهمرة وهي تقول: "اشتقت لمنزلي في العيزرية ولكل شبر في القدس الحبيبة اشتقت لعائلتي واخوالي".

لفريال (4 أعمام) اثنين استشهدوا واثنين معتقلين في سجون الاحتلال، وكانت آخر زيارة لها للقدس قبل نحو (9 سنوات).

لحظات النزوح

ففي (السابع من أكتوبر 2023) انقلبت الدنيا ليس في قطاع غزة فحسب بل في العالم باسره، إذ أعلنت "إسرائيل" حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وعلى وقع الصواريخ التي تنهمر فوق رؤس المدنيين اضطرت فريال ووالدها ووالدتها وزوجة ابيها وشقيقها محمد، للنزوح من أبراج القرية البدوية شمال قطاع غزة إلى منطقة مشروع بيت لاهيا ومنها إلى مستشفى اليمن السعيد وعند اشتداد القصف الهمجي الإسرائيلي اضطرت العائلة للنزوح لمستشفى الشفاء غرب مدينة غزة.

لم يتوقف القصف الإسرائيلي مطلقا، كانت الصواريخ تسقط على مدينة غزة كالمطر، شاهدت فريال خلال مكوثها في مستشفى الشفاء أصنافا من الألم، أجساد مفحمة وأشلاء ممزقة والسبب الذي دفعها للنزوح من الشفاء هو تفاقم أزمة الصرف الصحي التي أغرقت النازحين ومرافق المستشفى، وبسبب تلك الألام والمعاناة اضطرت للنزوح إلى جامعة الأزهر غرب مدينة غزة.

استشهاد والدها

تقول: "مكثنا فترة طويلة بالجامعة وعندما علم والدي بانسحاب جيش الاحتلال من منطقة المشروع ذهب إلى المنزل للحصول على بعض من الطحين والمستلزمات، لكن والدي ذهب دون رجعة".

فرغم الخطر تقول فريال: "ذهبت زوجة والدي لتتفقد والدي وعثرت عليه مستشهد برصاص قناص إسرائيلي في رأسه ثم دفنته وعادت لتخبرنا بالفاجعة".

هناك بجامعة الأزهر رأت فريال الموت بعينيها: "كنت داخل أحد القاعات في الجامعة، وفي أحد الأيام استفقنا على صوت الدبابات الإسرائيلية تقف على باب الجامعة حاولنا الاختباء فكان الرصاص يحيط بنا من كل جانب".

زحفت فريال ومن معها على الأرض لتصل إلى غرفة الطعام علها تسد جوعها بعد حصار طويل، فلحق بهم رصاص طائرة (الكواد كابتر) فاحرق ستائر القاعة ودب الرعب في قلوب فريال وعائلتها.

راية بيضاء

حالة الرعب والخوف استبدلتها زوجة والدها  بقوة قلبها ورفعت راية بيضاء علها تجد قلبا يرأف بها، فواجهتها رصاصات الطائرات الإسرائيلية فعاد الرعب يخترق قلبها، وفي ساعات النهار قررت العائلة التضحية بروحها فنزلت رافعة الراية البيضاء أمام الطائرات.

تنظر فريال يمنة ويسرة في جميع الاتجاهات بساحة جامعة الأزهر فلم ترى سوى أكوام من الرمال يختبئ خلفها جنود ودبابات الاحتلال، وهنا طالبهم الجنود بالذهاب إلى جنوب غزة.

وأثناء سير العائلة ومن كان برفقتهم داخل جامعة الأزهر، باتجاه الجنوب أمرهم جيش الاحتلال بالنزول إلى الشاطئ؛ فالطريق السوية مخصصة للدبابات والآليات العسكرية فقط.

لحظات مفجعة

بعد ساعات طويلة استقرت فريال ووالدتها وجدتها وشقيقها محمد في منزل عمتها بمخيم النصيرات وسط قطاع عزة بينما ذهبت زوجة والدها إلى رفح أقصى جنوب قطاع غزة.

وعندما دارت عقارب الساعة عند الثالثة والنصف فجر التاسع عشر من مايو 2024 تغيرت حياة فريال رأسا على عقب اذ استفاقت داخل مستشفى شهداء الأقصى ولا تستطيع تحريك جسدها مطلقا.

الفتاة فريال تفاجأت باستشهاد والدتها وجدتها واقربائها ال(31) لتعاني من أزمة نفسية قاسية لكنها تتمسك بزوجة والدها إيمان التي تقدم لها الرعاية الأولية والنفسية بكل حب وأمانة ووفاء لزوجها.

وتأمل الفتاة فريال أن تسافر خارج قطاع غزة؛ لتركيب طرف صناعي والعودة لممارسة حياتها الطبيعية: "نفسي ارجع زي أول واشوف الناس واحرك جسدي، بدي اعيش زي أي صبية في العالم".

فريال الشوربجي المصابة.jpg
فريال الشوربجي تنظر لصورة والدتها .jpg
إصابة فريال الشوربجي.jpg