ذكر المحلل السياسي الأمريكي بروس هوفمان أن حركة حماس” تلقّت ضربة مؤلمة، ولكنها ليست ساحقة، نتيجة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وتردّدت تقارير مفادها أن مسؤولين أمريكيين يعتقدون أن “حماس” لديها الآن ما بين تسعة آلاف و12ألف مقاتل، وهذا العدد يبلغ نحو نصف العدد في بداية الحرب.
ويرى هوفمان، المتخصص في دراسة الإرهاب ومكافحة الإرهاب والتمرد بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن ذلك يعني أن الحركة المسلحة الفلسطينية يمكنها الدفع بنحو 12 إلى 15 كتيبة، وهذا عدد أكبر بكثير من حفنة الكتائب المتبقية التي قالت إسرائيل إنها موجودة هناك لكي تبرر عملياتها المستمرة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وقال هوفمان، في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، إن “حماس” تزعم من جانبها أنها لم تفقد أكثر من ستة آلاف رجل. وبالنسبة لحركة تعتمد على الأنفاق لبقائها، فربما يكون هناك 80% من الأنفاق ظلّت سليمة حتى كانون الثاني /يناير العام الجاري.
ووفقاً للرئيس الأمريكي جو بايدن، تم “تدمير” “حماس”، ولم تعد قادرة على تنفيذ هجوم آخر على غرار هجوم السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر. وذلك بدون أي شك مطلب رئيسي لتحقيق أهداف إسرائيل الإستراتيجية وراء شن هذه الحرب.
ولكن السؤال الكبير هو ما إذا كان هذا أمراً كافياً. وهذا يشبه زعم الولايات المتحدة، على سبيل المثال في عام 2002، بأن تنظيم “القاعدة” لم يعد قادراً على شن هجوم آخر
على غرار هجوم الحادي عشر من أيلول /سبتمبر عام 2001، ومن ثم انحسر التهديد من الجماعة الإرهابية، بما يكفي لوقف إطلاق نار محتمل .
وأضاف هوفمان أنه في حالة إسرائيل، طالما أن القيادة عالية المستوى لـ “حماس باقية”، وطالما ظلَّ القوام الأساسي للمقاتلين المتمرّسين على فنون القتال باقياً، سوف تعتبر إسرائيل الجماعة الفلسطينية المسلحة في وضع يسمح لها على الأقل بمواصلة إطلاق صواريخ وقذائف على المجتمعات الإسرائيلية، والضغط على قوات الجيش الإسرائيلي العاملة في قطاع غزة والتخطيط لهجمات أكثر خطورة .
وقبل أسبوعين، عندما تم حصار قوات “حماس”، وتعرّضت لضغط شديد من جانب الجيش الإسرائيلي، تمكّنت الحركة من إطلاق ثمانية صواريخ على الأقل من رفح على إسرائيل. ولذلك، فإن الحركة تحتفظ بوضوح بقدرة على تهديد إسرائيل، والضغط على مواطنيها، وهما الأمران اللذان سوف يستمران ويتصاعدان إذا لم تحقق إسرائيل هدفها المعلن في كثير من الأحيان، وهو “تحقيق نصر كامل على حماس”، على حد قول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي واقع الأمر، رداً على إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن مقترح جديد لوقف إطلاق النار في الحادي والثلاثين من شهر أيار/مايو الماضي، شدد نتنياهو على التزام إسرائيل الحتمي بتحقيق هذا الهدف، حيث أعلن أن “إسرائيل سوف تواصل الإصرار على تحقيق هذه الشروط قبل تطبيق وقف دائم لإطلاق النار”.
والسؤال؛ ما هي طبيعة علاقة “حماس” بسكان غزة؟ وكيف تغيّر هذا الوضع خلال الحرب؟ فقد كشف استطلاعٌ للرأي، أجراه، في شهر آذار/مارس العام الجاري، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، ومقرّه الضفة الغربية، أن قرابة ثلاثة أرباع (71%) من الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة ما زالوا يدعمون قرار “حماس” بشن هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بارتفاع من 57% في شهر كانون الأول/ديسمبر 2023، ولكن عندما تم سؤالهم عمن يفضلون للسيطرة على قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب، أيد فقط 52% “حماس”، بينما أيّد 40% السلطة الفلسطينية، فيما فضّل 5% دولة عربية أو أكثر.
وتابع هوفمان أنه، في هذه المرحلة، ليس من الواضح ما إذا كانت إستراتيجية “حماس” التضحية بأرواح مدنيين أبرياء في غزة لتقويض الدعم الدولي لإسرائيل سوف تؤدي إلى تآكل الدعم لها بين الفلسطينيين. ووصف يحيى السنوار، القائد العسكري ل“حماس” في غزة، مقتل وإصابة عشرات الآلاف بـأنها “تضحيات ضرورية”. ويعدّ هذا النوع من التشجيع بالنسبة لفقدان حياة الفلسطينيين وتعريضهم للأذى سمة بارزة منذ فترة طويلة لإستراتيجية “حماس”.
ومع ذلك، وفي ظل عدم وجود بديل قابل للحياة لحكم “حماس” في غزة، يفتقر الفلسطينيون لأي خيار مفيد .
ومثلما أشار غيث العمري، وهو مستشار سابق لطاقم مفاوضات السلام الفلسطيني، لا تحظى السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على الضفة الغربية، وينظر إليها بصفة عامة على أنها المنافس السياسي الرئيسي لـ “حماس”، بتأييد شعبي واسع بين الفلسطينيين، بسبب استشراء الفساد والمحسوبية فيها وعدم كفاءتها”، حسب قوله.
وتعدّ إيران مصدر الدعم الخارجي الأهم لـ “حماس”. وكان إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لـ “حماس”، والمقيم في قطر، قد صرح لقناة “الجزيرة”، في عام 2022، بأن الحركة تحصل سنوياً على ما يصل إلى 70مليون دولار من إيران.
وترددت تقارير مفادها أنه تم تدريب نحو 500 مقاتل من حركة “حماس” في إيران للإعداد لهجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وهذا انعكاس للدعم طويل الأمد من جانب إيران للحركة.
ومنذ عام 2018، أعطت قطر، بموافقة إسرائيل، 1.8 مليار دولار لـ “حماس".
وقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منذ فترة طويلة، دعماً سياسياً ودعماً آخر لـ “حماس”، وبصفة خاصة رفضه تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية لحركة “حماس” كمنظمة إرهابية أجنبية، وبدلاً من ذلك أعلن أن “حماس” “حركة مقاومة”.
وتساءل هوفمان؛ كيف سيبدو نصر واقعي بالنسبة لإسرائيل؟ وقال إنه في عام 1969، وفي ذروة حرب الولايات المتحدة في فيتنام، كتب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر عبارته الشهيرة: “الجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر”.
ويمكن الدفع بالقول بأن إسرائيل في نفس الموقف الآن. وتعهدت الحكومة الإسرائيلية بمواصلة القتال، على الأقل حتى نهاية هذه الحرب، لتحقيق ما وصفه مستشار الأمن الوطني الإسرائيلي يتسحاق هنغبي بـ “تدمير قدرات حماس العسكرية وقدراتها على الحكم”. ولم يتم بعد إثبات ما إذا كان هذا أمراً ممكناً.
والأمر الواضح هو أن إسرائيل قد تعهدت بمواصلة العمليات العسكرية في غزة إلى أجل غير مسمى، سعياً وراء تحقيق هدفها بالقضاء على “حماس” بشكل كامل.
ولتحقيق هذا الهدف، شقّ الجيش الإسرائيلي ممراً إستراتيجياً يمتد من الشرق للغرب عبر غزة، ويشطر القطاع إلى نصفين. وأقام الجيش أيضاً ما لا يقلّ عن ثلاث قواعد عمليات أمامية في الممر، هناك سوف يكون مركز الغارات المستمرة التي يشنها الجيش في عمق جانبي الممر.
واختتم هوفمان تقريره بالقول إن الأمر الذي ما يزال يتعيّن رؤيته هو ما إذا كانت هذه الشبكة من القواعد الآمنة، يمكن أن تساعد إسرائيل على تجنّب التورط في حرب طويلة لمكافحة تمرد في غزة من خلال هذه القدرة على شن غارات.