في السابع من مايو/ أيار الماضي، شرع الاحتلال "الإسرائيلي" في تنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، بعد ساعات قليلة من موافقة حركة حماس الصريحة على المقترح الذي قدمه الوسطاء لوقف إطلاق النار. وعمد الاحتلال منذ اليوم الأول من عملية رفح إلى اتباع سياسة التهجير والتدمير، عبر إخلاء المربعات السكنية نحو المناطق المدمرة في مدينة خانيونس أو المنطقة الوسطى في مدينة دير البلح وسط القطاع.
نهج الاحتلال في عملية رفح
وكان النهج "الإسرائيلي" واضحاً وقام على سياسة إخلاء السكان بشكل مخالف للقانون الدولي، والعمل على نسف المنازل وتحويل مناطق واسعة من القطاع لمناطق غير صالحة للعيش ضمن سياسة المناطق العازلة. علاوة على ذلك، كثّف الاحتلال المجازر في المدينة، وأبرزها مجزرتا الخيام في المناطق الغربية لمدينة رفح، إلا أن هذا الأمر لم يسهم في وقف عملية رفح العسكرية. وبحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن جيش الاحتلال دمر أكثر من 90% من المناطق الشرقية لمحافظة رفح، علاوة على إرغام الطواقم الطبية في محافظة رفح على وقف خدماتها بعد استهدافها. وأخرج الاحتلال مستشفى النجار عن الخدمة في الأيام الأولى من عملية رفح ثم تبعه المستشفى الكويتي، لتصبح المدينة بلا مستشفيات حقيقية، فيما ملأت جثث الشهداء الشوارع فترات طويلة.
وبدا واضحاً أن الخطة العسكرية "الإسرائيلية" للتعامل مع رفح بدأت بالسيطرة على معبر رفح وإغلاقه أمام حركة المسافرين والبضائع ثم التحول لاحتلال محور فيلادلفيا، الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المصرية. وسيطر الاحتلال على محور فيلادلفيا بإجمالي مساحة تبلغ 14 كيلومتراً من الحدود الشرقية لرفح، وحتى أقصى منطقة مواصي رفح، غربي القطاع، عازلاً غزة تماماً عن العالم الخارجي. وذكرت وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى "أونروا" أن معظم الأشخاص الذين نزحوا داخلياً إلى مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، قد غادروها بعد الضربات الإسرائيلية لها، ولم يتبق سوى 100 ألف فلسطيني بالمدينة. ووفق تقديرات فلسطينية، فإن مدينة رفح بعد الاجتياح "الإسرائيلي"، شهدت استشهاد نحو ألف فلسطيني، عدا عن تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين لجأوا إليها منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مع بداية الحرب.
وحول ذلك، رأى الباحث في الشأن السياسي محمد الأخرس أن عملية رفح انطوت على بعدين سياسيين وآخر عسكري. ففي البعد السياسي تمثل الأمر في معبر رفح ومحور فيلادلفيا على اعتبار أن السيطرة العملياتية بالنسبة للاحتلال هي منجز كبير. وأضاف الأخرس لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال يرى أن السيطرة على معبر رفح ستحدد شكل اليوم التالي للحرب على غزة، على اعتبار أن الجهة التي ستدير المعبر قد تكون هي الجهة التي تدير شؤون القطاع. أما في البعد العملياتي، وفق الأخرس، فإن الاحتلال وضع هدفاً يتمثل في القضاء على كتائب حماس الأربع في المدينة، وواضح أن الاحتلال يعتقد أن مجرد وجوده في كل حي يمنحه صورة النصر.
وأكد أن عملية رفح لم تحمل أي صورة من صور النجاح، لا على صعيد قتل قيادات أو اغتيالهم أو استرداد أسرى، على العكس تماماً فإن المشاهد الآتية من رفح عكست نجاحاً للمقاومة الفلسطينية. وبحسب الأخرس، فإن هناك حديثاً إسرائيلياً عن أن عملية رفح باتت ضاغطة على الحسابات الاستراتيجية للاحتلال، في ظل السياق المرتبط بالتصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان.
عمليتا رفح وجباليا
من جانبه، قال مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، أحمد الطناني، إن الحرب "الإسرائيلية" المتواصلة على القطاع وسياسة التهجير المتبعة منذ تسعة أشهر دفعت المقاومة إلى تحويل القتال لسياسة الاستنزاف. وأضاف الطناني لـ"العربي الجديد" أن الشهر الثامن من الحرب شهد أكبر المعارك في محاور الجهد الرئيسي لجيش الاحتلال، المتمثلة في عملية رفح واشتباكات جباليا، مع تزامن انطلاقهما بفارق زمني ضئيل. وأشار إلى أن الاحتلال استخدم المرحلة الأولى في عملية رفح للتعمية على العملية الكبرى في مخيم جباليا، التي استمرت لأكثر من 20 يوماً، لم تتوقف فيها شتى أنواع الاشتباكات والمواجهات، دمّر خلالها جيش الاحتلال المخيم ونسف الشق الأكبر من المربعات السكنية للمخيم.
ولفت الطناني إلى أن الاحتلال روّج أن عملية رفح محدودة وطاولت مناطق محددة، فضلاً عن محور فيلادلفيا الحدودي، لكن الواقع مغاير تماماً، فما فعله الاحتلال كان عملية تخدير تدريجية للرأي العام العالمي، عبر التدرج في عملية رفح وصولاً إلى إخلاء المدينة الحدودية من سكانها، ودفع التعزيزات توالياً إلى أحياء المدينة ومخيمها، والدفع بتعزيزات وصلت إلى حدّ انخراط ستة ألوية من جيش الاحتلال في القتال.
وبحسب الطناني، فإن الاحتلال استخدم تكتيكات للفتك بالمقاومة، والبحث عن تحقيق أهدافه العملياتية في الميدان، والأسلحة المباشرة وغير المباشرة، بما فيها العقاب الجماعي والفوضى والتجويع والإغراق بالأزمات والمتابعة الاستخباراتية، مبتعداً عن تكرار التكتيكات ذاتها في كل عملية هجومية. وأكد الطناني أن الاحتلال عمد إلى تسوية أرض محروقة قبل تقدم آلياته في أية منطقة من مناطق العدوان، لضمان تحييد أية خطوط دفاعية للمقاومة قبل التقدم.