غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

محمد أبو شريعة.. حارس الكلمة وسادن القلم حتى آخر رمق!

شمس نيوز - وليد المصري

يجلس الزميل محمد وعددًا من أبناء عائلته وجيرانه على عتبة المنزل في منطقة الصبرة أحد أحياء مدينة غزة، يستمعون لما تنطق به الإذاعة من أخبار وأنباء الحرب الإسرائيلية المستمرة ضد كل شيء في قطاع غزة، وكعادته المرحة فاجأهم محمد بكلمة "خلصت"، انتبه الجميع قبل أن ترتسم البسمة والفرحة على شفتيه.

شغف منذ الصغر

محمد محمود أبو شريعة، شابٌ فلسطينيٌ طموحٌ مفعمٌ بالأمل والطاقة، واظب -منذ نعومة أظفاره- على قراءة الصحف والاطلاع عليها، وأحب الكتابة وبدأ شغفه بها ينمو يوماً بعد آخر، حتى أصبح حلمه هو أن يكون صحفياً محترفاً ينقل معاناة أبناء شعبه وآمالهم المغتالة وأحلامهم المنسية جراء الاحتلال الإسرائيلي.

وجد محمد في الكتابة نافذةً تتجاوز أسوار غزة المحاصرة نحو العالم، ورأى أنها (الكتابة) وسيلة ناجعة للمقاومة وسلاحاً لتحدي الحصار ومجابهة الظلم، فدرس الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية بغزة وتخرج منها بتفوق، وأضحى يجول بشوارع غزة ومدنها حاملاً قلمه ودفتره، مُوثِّقاً تفاصيل الحياة اليومية لشعبه، بكل إخلاص وتفانٍ تلمس فيها صدقاً ومهنيةً تعبر عن واقع الحال برصانة وذكاء.

 

مدير التحرير

هنيئاً لهؤلاء الذين لا تنطبع على نفوسهم بصمات الآخرين، لمن يحملون قلباً كالصلصال، كلما لامسته روح أحدهم في موضع غاصت فيه لتبقى محفورة في ذاكرته.. فور تخرجه بدأ محمد رحلته الصحفية يحدوه الشوق والطموح، وعمل مراسلًا صحفياً في عدة إذاعات فلسطينية محلية، فقد كان مثالاً يُحتذى به بين زملائه، مجتهداً نجيباً، ذو همة عالية وعزيمة كبيرة؛ لتتكلل هذه الرحلة بالانضمام لوكالة شمس نيوز الإخبارية، وتدرج في العمل الصحفي فيها حتى نال إعجاب إدارتها وطاقمها، ولقربه من زملائه، وإتقانه في عمله، عيَّنه مجلس الإدارة مديراً للتحرير، فكان جديراً بالثقة وحمل المسؤولية بكل أمانة واقتدار، ولم يكن مجرد ناقل للأخبار، بل كان كتاباته حية تجري في أوصال القارئ وعقله، وتميزت بجرأتها وعمقها.. كان محمد يكتب بقلبه لفلسطين. 

 

محمد و"طوفان الأقصى"

فور اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر؛ أعلنت وكالة "شمس نيوز" حالة الطوارئ القصوى، وانحاز الصحفي محمد أبو شريعة خلالها -كما كل مرة- لشعبه مُسلطاً الضوء على معاناتهم وجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحقهم، وكان يتنقل بين أماكن القصف والتدمير ليجمع الشهادات والصور، وآثر البقاء في غزة تحت ظل القصف والتوغل البري والمجاعة، ليفضح انتهاكات الاحتلال وعدوانه حتى آخر رمق.

 

محمد الشهيد

29 /6/ 2024م.. هدأ الهواء وجمع ضحاياه من الأوراق الممزقة والأثاث المتناثر والحصى المتكومة فوق ركام المنازل المدمرة على مد البصر..، كانت الشمس تطل مختنقةً وسط دخان أسود كثيف متصاعد بفعل نسف البيوت والمنشآت المدنية.. يجلس محمد وعددًا من جيرانه على عتبة بيته بمنطقة الصبرة، عيونهم ترنو ذهاباً وإياباً حولهم، كل شيء مدمر، لا حياة هناك، وكأن زلزالاً ضرب المكان فأحاله إلى سراب!.. وبينما يوثق محمد تفاصيل هذه المشاهد المروعة ويستمع لحكايات النازحين التي يدونها لكتابة قصته الصحفية الجديدة، استهدفته طائرات الاحتلال الحربية بصواريخها الغادرة، ليرتقي نحو 7 مواطنين على الفور، ويُنقل هو إلى مشفى المعمداني ثم يتم تحويله للمستشفى الاندونيسي في حالة خطرة وصفها الأطباء بالـ "ميؤوس منها"، ليعلن بعد يومين عن استشهاده، ويقدم حياته ثمناً للإيمان بقضيته والانتماء إليها.

ونعت "وكالة شمس نيوز الإخبارية" صحفيها ومدير تحريرها الصحفي محمد أبو شريعة، مؤكدةً أن عمليات الاغتيال الغادرة التي ينفذها جيش الاحتلال بحق الصحفيين هي جريمة حرب مكتملة الأركان، في محاولة فاشلة لإخراس صوت الإعلام الحر الذي يكشف الجرائم الإسرائيلية ويفضح العدوان الغاشم على قطاع غزة.

وقال المدير العام لـ"وكالة شمس نيوز"، الصحفي محمد السيقلي، إن التضحيات التي قدمتها "شمس نيوز" بدءاً من تدمير مقرها، وقصف منازل طاقمها، واغتيال اثنين من صحفييها وهم: محمد أبو سخيل، ومحمد أبو شريعة، سيزيد المؤسسة إصراراً ولن يثنيها عن مواصلة تغطيتها الصحفية، مشدداً على أنها ستبقى صوتاً صادحاً مهما حاول الاحتلال تغييبها أو استهدافها.

وفي مشهد مؤثر، كتب السيقلي ناعياً الزميل أبو شريعة: "قل لي يا محمد كيف أرثيك؟َ! يا مهجة القلب ونور العين.. أأنعاك صحفياً كبيراً، أم أنعاك مقاتلاً صلباً، أم أنعاك أخاً رؤوفاً.. لا بل سأنعاك شهيداً؛ لأنه لا يليق بك إلا شرف ووسام الشهادة".

وأضاف: "كنتَ نعم الأخ، ومثالاً للصحفي الملتزم بقضيته، صاحب طاقة عمل جبارة، وبصمة كبيرة في مؤسستنا التي رويت بدماء الشهداء".

وبارتقاء محمد أبو شريعة يرتفع عدد الصحفيين الشهداء -وفق المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع-، بسبب عدوان الاحتلال على غزة إلى 173 صحفياً خلال أقل من 9 شهور، منذ السابع من أكتوبر من العام 2024م.