قائمة الموقع

سعير الحرب وجَمْر الحطب مع لهيب الصيف يكوي النازحين: "حياتنا نار في نار"

2024-07-07T09:45:00+03:00
أزمة الغاز في غزة.jpg
شمس نيوز - وليد المصري

على كتفه، يحمل المواطن جابر (53 عاماً)، وهو نازح من مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، أسطوانةَ غازٍ فارغة، مُتوجِّهاً بها إلى أقرب نقطة لتوزيع حصص غاز الطهي في مدينة خانيونس؛ أملاً في تعبئتها بالحد الأدنى (6 كيلو) بعد نفاد الغاز في بيته، ما اضطره إلى استعمال الحطب؛ لإشعال النار في موقد حديدي؛ لتحضير طعام أسرته، ما سبَّبَ له حروقاً متعددة في يديه، وأثقل كاهله، وفاقم معاناته.

يقول جابر، لمراسل "شمس نيوز": "الخيمة التي نعيش بها مصنوعة من "نايلون" يجمع الحرارة ويحتفظ بها، وهو أمر لا نستطيع تحمله أبداً، ومع استخدام الحطب زاد الطين بلة". مضيفاً أنه حاول مراراً الحصول على الغاز من نقاط التوزيع، ولكن بلا فائدة، ما اضطره لاستخدام موقد الحطب لتجهيز الطعام في ظل انعدام الخيارات.

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

 

"شو يعني غاز"؟

على مقربةٍ منه، تنهمك المواطنة رائدة الضبة (46 عاماً) في إشعال النار؛ لتحضير طعام العشاء، تُقلِّب الحطب المشتعل لتحصل على الجمر، تُخرِج كلماتها بثقل وسط ألسنةٍ من الدخان تتصاعد حولها، ما يزيد من معاناتها جراء إصابتها بمرض الجيوب الأنفية، تقول -وهي على الحال ذاته-: "من يوم نزوحنا ما بنعرف شيء اسمه غاز".

المواطنة الضبة من سكان حي الشجاعية بمدينة غزة، تتكون أسرتها من 6 أفراد، نزحت من بيتها في بداية الحرب إلى مدرسة الكرمل بالقرب من مجمع الشفاء الطبي، قبل أن تحاصر قوات الاحتلال المدرسة وتمنع الغذاء والماء عنها مدة يومين كاملين، ثم تقتحمها وتقتل الكثير من النازحين فيها، وتعتقل آخرين من بينهم زوج الضبة واثنان من أبنائها، وتجبرها مع ابنتها وابنها الأصغر على النزوح القسري إلى جنوب القطاع.

ولا يختلف حال المواطن سامي أبو حسنين الذي يعيل 7 أفراد، كثيراً عن سابقيه، فقد دمر الاحتلال منزله بالكامل وفقد كل ممتلكاته، فهو عاجزٌ عن شراء الغاز حتى لو توفر بالسعر الطبيعي، يشير وهو يساعد زوجته في خبز العجين: "كل حياتنا صارت على النار.. صرنا نحلم بأسطوانة غاز ممتلئة بالكامل".

أما زوجته التي تحمل طفلاً لا يتجاوز العامين، فتشكو من آثار الدخان الناتج عن إشعال الحطب، نظراً لمعاناتها من مرض الربو، وتُعبِّر عن حجم المشقة والمعاناة التي تعانيهما، إذ تضطر لإشعال النار في ساعات الليل المتأخرة لتسخين الماء اللازم لتحضير الحليب لطفلها.

 

احتكار وهيمنة

عدا عن عدم قدرتهم على توفير الغاز، لا يجد النازحون سبيلاً لشراء الحطب الذي يصل سعر الكيلو الواحد منه إلى قرابة (5 شواكل)، في ظل انعدام القدرة الشرائية بالكامل لديهم، إضافةً إلى أن كثيراً من النازحين لا يملكون ثمن تعبئة أسطوانة الغاز -إِن تَوَفَّر-، ومنهم من لا يملك أسطوانةً من الأساس؛ علاوةً على أن "تجار السوق السوداء" يبيعون الأسطوانة الممتلئة بمبالغ باهظة جداً تفوق قدرة النازحين عن شرائها، ويزيدُ على ذلك كله تلاعبهم بوزن الغاز في الأسطوانة.

ويُعاني المواطنون في قطاع غزة، من أزمة خانقة في الحصول على غاز الطهي، الذي يُستورد عبر المعابر بعد سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي عليها وإغلاقها، وانقطاع التيار الكهربائي على أنحاء القطاع كافة، مع استمرار الحرب الإسرائيلية لليوم الـ 274 على التوالي. وقد استغل "تجار السوق السوداء" الكميات المقننة الواردة للقطاع لبيعها بمبالغ باهظة جداً وجنونية، مستغلين حاجة الناس لهذه المادة الأساسية، وهو ما يثقل كاهل النازحين ويفاقم معاناتهم وسط حر الصيف اللاهب.

يقول المواطن كامل (37 عاماً): "اضطررتُ لشراء أسطوانة واحدة بأربعة أضعاف سعرها الطبيعي. لا يوجد خيار آخر، فالناس تعاني ولا أحد يساعد".

استغلال "حيتان السوق السوداء" وهيمنتهم على حصص الغاز واحتكارهم لها -وفق المواطنين- مردّه الأساسي يرجع إلى سوء الإدارة لدى الجهات المسؤولة وعدم التوزيع العادل والمنظم للغاز، وتوزيعه على "الحبايب"، وهو ما يتطلب وقفة جادة لتحمل المسؤولية الأخلاقية والمهنية والوطنية، ومحاسبة التجار المحتكرين وإجبارهم على البيع بالسعر الطبيعي -حسبما قالوا-.

 

بديل جبري

هذا الواقع المأساوي، دفع بعض النازحين للتوجه نحو بناء الأفران الطينية، واتخاذها مصدراً للرزق، فالمواطن عبد الرحمن دكة (39 عاماً)، وهو نازح من شمال قطاع غزة، تداعت له هذه الفكرة بعد فقدان مصدر دخله الوحيد إذ كان يعمل تاجراً للسيارات، يُوضح لـ"مراسل شمس نيوز": "بدأنا بتنفيذ فكرة الفرن الطيني كبديل جبري عن عدم توفر الغاز وانقطاع الكهرباء؛ للتخفيف من معاناة الناس".

ويؤكد دكة أن هناك إقبالاً ملفتاً للنازحين على فرنه، الذي يقدم خدمة الخَبْزِ، وطهي الطعام، والمعجنات، وغيرها من صنوف الأطعمة القليلة المتوفرة في ظل الحرب، مقابل مبلغٍ زهيدٍ. لكنه يشكو -في الوقت ذاته- من كلفة شراء الحطب ونقلها وأجرة العمال، ما يجعل هامش ربحه القليل لا يتناسب والقدرة على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته؛ نظراً لغلاء أسعارها الفاحش.

 

اخترنا لكم: بالفيديو محرر يروي تفاصيل مؤلمة عن حياته داخل السجن وقصة الشهداء الـ"4"

 

مهنة قديمة

على قارعة أحد الطرق، يعرض المواطن معتز عليوة (38 عاماً)، الحطبَ أمام المارة الذين يُقبلون على شرائها دون تردد، وبجانبه يعمل ابنه محمد (15 عاماً) على تكسير أخشاب الأشجار كبيرة الحجم وتجزئتها إلى قطع أصغر.

قبل الحرب، كان عليوة يُصدِّر الحديد و"الخردة" إلى مصر والضفة الغربية، ولكن إغلاق المعابر ونزوحه من حي الشجاعية، وتوقف مناحي الحياة وعدم وجود الغاز بسبب الحرب، أجبره على بيع الحطب؛ لتوفير قوت يوم عائلته.

يومياً، يأتي عليوة وولده من بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة التي نزح إليها، إلى سوق مواصي خانيونس جنوب القطاع لبيع الحطب، يقول: "مع ازدياد الوضع المأساوي وانقطاع الغاز، وفقدان عملي، أصبحتُ أبيع الحطب المرغوب لدى الناس" مشيراً إلى أن "هناك إقبال ملحوظ للمواطنين على الشراء".

الكيلو الواحد من الحطب يبيعه عليوة بمبلغ (5 شواكل)، وهو بنظر النازحين سعرٌ مرتفعٌ؛ لكنهم -في الوقت ذاته- لا يجدون مفراً من شرائه.








 

اخبار ذات صلة