قائمة الموقع

تجّار الحرب ينهشون الغزّيين

2024-07-20T10:50:00+03:00
سوق السلام في دير البلح يكتظ بالنازحين.jpg
شمس نيوز - الأخبار اللبنانية

يواجه النازح جنوب قطاع غزة حرباً ضروساً، لا تقل ضراوة عن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل، منذ أكثر من 280 يوماً، ضد العائلات الغزية. فخلال هذه الأيام والأشهر الطويلة، طفت على السطح، أزمة تلاعب التجار بأسعار البضائع والسلع الغذائية، فزادوا من معاناة النازحين، بزيادة الأسعار الجنونية، فارتفع متوسط سعر السلعة نحو 10 دولارات عن سعرها قبل اندلاع الحرب، ما جعل الأهالي غير قادرين على تلبية احتياجات أسرهم الجائعة والعطشى.

«مال الحرب للحرب»

يبدو هذا التعبير الذي يتردد كثيراً في الأسواق حالياً، من النازحين للتجار، في رسالة تحذير لهذه الطبقة، «بأن الأموال التي يكتنزها التاجر من جيوب الغلابة، سيصرفها كعلاج وأدوية على أمراض قد تصيبه أو تصيب أحداً من أسرته».

يتجوّل المواطن عبدالله خطاب في سوق دير البلح، وهو يحمل ربطتي خبز، ونحو 80 شيكلاً لشراء بعض السلع الأساسية كـ«الطماطم والبطاطس واللحوم». يقول لـ«الأخبار»: «الله يعلم كيف بجيب الـ 100 شيكل، عندي أسرة مكوّنة من 10 أفراد، وبحاجة إلى 100 شيكل كل يومين تقريباً، الأسعار مرتفعة جداً، والوضع العام صعب»، ويُشير إلى أن الحرب بعد 9 أشهر، تسببت بإفلاس النازح من الشمال، والمواطن من الجنوب على حد سواء.

ويُرجع خطاب سبب ارتفاع الأسعار، إلى طمع التجار والحرامية، فيوضح: «الجهتان لم تتعظا مما يجري لنا من مجازر إسرائيلية، ودمار وخراب مستمر، على مدار 9 أشهر، فهما تواصلان جريمتهما برفع الأسعار، ونهب أموال الغلابة تحت حجج واهية». وقد لفت النظر إلى أسعار بعض السلع، مثلاً: «القداحة كانت تباع بـ 1 شيكل [الدولار الواحد يعادل 3,7 شيكل] والآن بنحو 15 شيكلاً، قرص الكلور كان يباع بـ 2 شيكل أما الآن فيباع بـ 15 شيكلاً، غالون المياه الحلوة كان يباع بـ 1 شيكل الآن بـ 5 شيكل... فضلاً عن اختفاء سلع معينة من السوق، وإظهارها بشكل متدرّج». «والله التاجر والحرامي ذبحونا، قتلونا، ما فيه رقابة ولا جهات تسألهم من أين لك هذا؟ يتآمرون مع الاحتلال، سواء بقصد أو من دون قصد، للإمعان في تدمير معنويات المواطن الغزي».

وفي زاوية أخرى من «سوق السلام»، يتجمّع عدد كبير من الباعة وتجار التجزئة، وهؤلاء يعتبرون أنهم ضحايا «التجار الكبار» الذين يستوردون السلع والبضائع من الضفة الغربية وإسرائيل. فأكدوا، أن الأسعار ارتفعت بسبب جشع التجار، وحبهم للمال، واستغلال أزمات الحرب، «لم يكن يملك حماراً قبل الحرب، والآن يسيطر على أرواح وأرزاق العباد، هو واحد من بين تجار الحرب أو المافيات، والقطط السمان الذين استغلوا معاناة شعبنا وآلامه»، هكذا قال بائع التجزئة أبو محمد لـ«الأخبار» عن أحد المتسببين الرئيسيين بارتفاع أسعار البضائع والسلع الغذائية جنوب قطاع غزة. ويرى أبو محمد، الذي رفض الإفصاح عن اسم عائلته، أن «تجار الحرب بمثابة عملاء، يعملون تحت تصرف الاحتلال الإسرائيلي لذبح وقتل ما تبقّى من الإنسان الفلسطيني في القطاع».

 

4 أسباب لارتفاع الأسعار المجنون

وبحسب تجربة أبو محمد البسيطة في بيع التجزئة، فإنه يرجع أسباب هذا «الجنون» إلى عدة عوامل، فيبدأ بالتجار خارج قطاع غزة، ويرى أنهم «يستغلون أزمة الحرب، واحتياج القطاع لأي بضاعة مهما كان ثمنها». وضرب مثالاً على سعر طبق البيض، «ففي الضفة الغربية كان يباع بالجملة بـ 10 شيكل، وعندما اشتراه التاجر في غزة، ارتفع سعره إلى 20 شيكلاً، لكن حينما وصل إلى المستهلك، صار سعر طبق البيض ما بين 80 و 100 شيكل، وذلك تبعاً لمزاج التاجر».

أمّا السبب الثاني لرفع الأسعار، فيعيده أبو محمد إلى أن «التاجر رفع الأسعار بشكل جنوني بحجة سرقة البضاعة على طريق المعبر، إضافة إلى ارتفاع سعر نقل الشاحنات، وتكلفة أسعار شركة التأمين».

ويوضح السبب الثالث، من وجهة نظره، أنه «يتمثل ببيع البضاعة عبر سلسلة من التجار، فكل واحد يضيف نسبة من الربح، هكذا حتى تصل إلى المستهلك بسعر جنوني».

أمّا السبب الرابع، فأوضحه أبو محمد بتعبير «التطبيق البنكي»، وهو النظام الجديد الذي سبّب رفع أسعار البضائع. وهو، باختصار، علاقة أصحاب الأموال، بالصرافين، والعمولة الكبيرة التي توضع بدل الحصول على السيولة في مقابل مبالغ تُدفع عبر حسابات بنكية، أو العمولة التي تُخصم من المبالغ المحوّلة من خارج قطاع غزة، وهذا ينطبق على كل شرائح المجتمع في غزة. هذه العمولات قد تصل إلى 18%، وأحياناً أكثر. وهذا كله، انعكس على السوق، فساهم برفع الأسعار.

ووصف أبو محمد الحالة في أسواق قطاع غزة بـ«الشوربة»، وهو يردّد: «هناك خلل رهيب في مجتمع التجار في قطاع غزة، فلا أخلاق ولا قيم إنسانية ولا مسؤولية اجتماعية لدى بعض التجار، فعندما غابت الرقابة والقانون، ظهرت الوحوش، ليساعدوا الاحتلال بقتل المزيد من أبناء جلدتهم».

 

الحرامية

وفي زاوية أخرى من سوق الزاوية، يقف أبو العبد، وهو يحتضن بضاعته خشية من اللصوص، قائلاً: «لا يوجد أمان في البلد، أعداد كبيرة من اللصوص تسرق البضاعة. نحاول قدر المستطاع حمايتها حتى لا نخسر أكثر من ذلك»، ويلفت أبو العبد، إلى أن تاجر التجزئة يخسر الكثير من وقته وعرقه، وفي النهاية يحصل على 20 شيكلاً، وفي الحد الأقصى 100 شيكل، هذا إن لم يكن مسروقاً.

ويتوافق أبو العبد مع أبو محمد، بخصوص أسباب ارتفاع الأسعار، ويبين بأن «سعر النقل، كان سابقاً 5 آلاف شيكل، وفي الحرب وصل إلى 12 ألف شيكل، ومافيا التأمين تحتاج إلى 5 آلاف شيكل» ويضيف بأن هذه المبالغ، في آخر المطاف، «تُحمّل على كاهل المستهلك».

يبدو أن هناك إجماعاً على أسباب ارتفاع الأسعار، التي يعود سببها الرئيسي إلى الاحتلال، فمحمد العطار، وهو بائع منظفات، يشير إلى الاحتكار، وتخبئة البضائع، حتى تشح، وتختفي، ومن ثم تظهر مجدداً، لكن قليلة، فيزيد السعر: «سلعة المنظفات، اختفت قبل أسابيع من الأسواق لعدم دخولها من جانب الاحتلال، لكنها فجأة ظهرت في الأسواق شحيحة وبأسعار مرتفعة جداً. الصابون كان 2.5 شكيل، والآن بـ 25 شيكلاً، وهذا ينسحب على جميع أصناف المنظفات».

وفي السياق، قال المواطن محمد الحجار عبر حسابه الخاص في «الفايسبوك»: «حاجة الناس للنظافة لا تقِل عن حاجتهم للطعام والشراب والأمان، لذلك متستغربش إن «أولاد الحرام» بيبيعوا الشامبو بـ25 دولاراً، في حين ثمنه فقط خمسة دولارات، وما تستغرب أن سائل الجلي الّي ثمنه دولار واحد؛ أصبح يباع بـ15 دولاراً، هذه الثقافة الضحلة هي أسوأ من القنابل والصواريخ، وأسوأ إفرازات الحرب، هي استغلال الخاصة من ذوي النفوذ والتجار للعامة، من الناس والرقص على آلامهم وأوجاعهم مِن أجل ثراءٍ فانِ».

اخبار ذات صلة