يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيروت د. طلال عتريسي أن الكيان الإسرائيلي يشهد مأزقًا حقيقيًا وفشلًا استراتيجيًا منذ بداية معركة "طوفان الأقصى"؛ إذ أن الاحتلال لم يحقق هدف الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ولم يُنجز القضاء على المقاومة الفلسطينية، وسط تأكيده بأن المعركة بعد أكثر من 9 أشهر للحرب دخلت مرحلة جديدة من المواجهة وانخراط أطراف محور المقاومة وجبهات الإسناد بشكل مباشر في المواجهة وخاصة جبهة اليمن.
وأوضح د. عتريسي في تصريح خاص لـ "وكالة شمس نيوز" أن انفجار مسيَّرة "يافا" في "تل أبيب" وقتل مستوطن إسرائيلي وإصابة نحو 8 آخرين بجروح مختلفة شكل مرحلة جديدة لدخول جبهة اليمن مباشرة في استهداف العمق الإسرائيلي، ولم تعد اليمن تكتفِ بإسناد جبهة قطاع غزة بمنع السفن من المرور عبر البحر الأحمر فقط.
ويعتقد بأن انخراط اليمن مع جبهات المقاومة مباشرة في قلب المعركة ضد الكيان الإسرائيلي سيفاقم من الأزمات الداخلية للكيان، وسيدفع العدو للتفكير مليًا قبل الإقدام على أي خطوة يتخذها ضد اليمن، لأن مسيًّرة "يافا" جعلت كافة مناطق "إسرائيل" غير آمنة وأن حالة الرعب والخوف باتت تُسيطر على المستوطنين المحتلين لفلسطين التاريخية.
ويؤكد د. عتريسي بأن دخول جبهات المقاومة لمرحلة جديدة من الصراع مع الكيان الإسرائيلي سيكون في صالح الشعب والقضية الفلسطينية.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
نص الحوار مع البرفسور طلال عتريسي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيروت اللبنانية مع "وكالة شمس نيوز الإخبارية" اليوم الأحد (21-7-2024):
س1/ كيف تتابع أحداث الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ تسعة أشهر، هل استطاع جيش الاحتلال تحقيق أهداف الحرب؟
العدو الإسرائيلي منذ الأيام الأولى لما بعد طوفان الأقصى حدد أهدافا اعتبرها بالاستراتيجية متمثلة بالقضاء على حركة حماس وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين وقعوا في قبضة رجال المقاومة خلال معركة (السابع من أكتوبر 2023) وكان يعتقد من خلال كثرة تصريحات قيادته السياسية وقيادته العسكرية بأنه يحتاج إلى بضعة أسابيع فقط لتحقيق الأهداف الإستراتيجية؛ لكن مع مرر الوقت تحولت الأسابيع إلى أشهر ولم يكن هناك أي أفق لتحقيق الأهداف.
لم يحرر جيش الاحتلال أسراه من أيدي المقاومة ولم ينجز هدف القضاء على حركة حماس؛ ولذلك العدو اليوم ليس لديه وضوح في خياراته الاستراتيجية، إذا استمر في الحرب -التي اقتربت من شهرها العاشر وهي المرة الأول في تاريخ الكيان التي يخوض فيها حربًا طويلة لهذه الفترة- إذا استمر في الحرب دون تحقيق الأهداف فهذه مشكلة كبيرة بالنسبة لقيادته السياسية والعسكرية، وإذا أوقف الحرب معناه بأن القيادة السياسية والعسكرية اعترفت بفشلها وعجزها، ولهذا السبب الكثير من التعليقات الإسرائيلية من مسؤولين وضباط وجنرالات سابقين وحالين في الجيش يؤكدون بأن الجيش لم يحقق الأهداف لأنه تعرض للهزيمة منذ 7 أكتوبر ما يعني أن هناك رؤية داخلية وخارجية وعالمية بأن إسرائيل عجزت عن تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها وهذا وضع جديد بما يتعلق بطبيعة الكيان وقدراته ومستقبله.
س2/ بعد أكثر من تسعة أشهر للحرب ما زالت المقاومة تواصل التصدي للتوغل البري الإسرائيلي وقصف مستوطنات غلاف غزة بوابل من الصواريخ، ما دلالات ذلك؟
بعد أكثر من 9 أشهر للقتال وتقدم العدو من شمال غزة إلى وسطه ثم إلى جنوبه وكان يدعي الاحتلال في كل مرة أنه انتقل من الشمال للوسط بعدما قام بتنظيف الشمال من المقاتلين والمقاومين ثم ينتقل إلى الوسط ثم للجنوب، وكان قد أكد بأن اجتياح رفح سيقضي على قادة المقاومة؛ لكن الميدان أثبت أن المقاومة عادت للقتال في الشمال والوسط والجنوب، وتستمر بقصف مستوطنات غلاف غزة ما يعني أن المقاومة ما زالت مستمرة رغم الإبادة الجماعية والظروف الإنسانية الصعبة والضغوط النفسية والمعنوية؛ إلا أن المقاومة ما زالت مستمرة في مواجهة الاحتلال، وباعتراف العدو لا يمكن القضاء على حماس لأنها فكرة ، 9 أشهر ويزيد من القتال أثبتت المقاومة في الميدان أنها ما تزال مستمرة، هذه تسبب مشكلة كبيرة وصعبة للعدو وللأهداف التي وضعها.
س3/ هل تمكنت المقاومة من استنزاف جيش الاحتلال باستخدام تكتيكات أو التكييف مع المتغيرات في الميدان، وجعل العدو أكثر ضعفًا من ذي قبل؟
المقاومة استطاعت كما بينت العمليات العسكرية التكيف مع تغير الأوضاع العسكرية والميدانية في غزة ويبدو أن المقاومة استفادت كثيرا من الاستعدادات المسبقة سواء باستخدام الأنفاق وغيرها من التكتيكات العسكرية والتصنيع والقدرات العسكرية وتمكنت من الانتقال من منطقة إلى أخرى من الشمال للجنوب ومن الجنوب للشمال وتعاملت مع العدو بمرونة عالية وأنزلت بجيش الاحتلال خسائر كبيرة أدت إلى مطالبة جيش الاحتلال بتجنيد نحو (10 آلاف) جندي إضافي بمن فيهم (1000 جندي) من الحريديم ليتمكن من الاستمرار للقتال أو يكون مستعدًا لاي توسع في الشمال
المقاومة أبدت مرونة عالية في عملياتها والالتفاف على جيش الاحتلال والاستمرار في إنزال الخسائر لو كان غير ذلك لما شهدنا مفاوضات ولما كان أطراف التفاوض خصوصا الولايات المتحدة تنتظر رد حركة حماس على أي ورقة تقدم لها، لأن الثبات في الميدان هو الذي يعطي القوة السياسية والقوة في التفاوض وهذا أبرز دليل على أن المقاومة من خلال قدرتها على المبادرة والمناورة والالتفاف استطاعت أن تثبت بأن القرار السياسي في عملية التفاوض سيكون لها، بحيث هي التي ستقرر ماذا تقبل؟ وماذا تقرر؟ لأن القوى الكبرى تنتظر رد المقاومة على أي ورقة وهذا له علاقة بإنجازات الميدان.
س4/ما الدلالات العسكرية لتفجير مسيَّرة "يافا" اليمنية في "تل أبيب" وهل تحمل مؤشرات على مرحلة جديدة من الصراع؟
منذ بداية المعركة دخلت الحرب مرحلة جديدة وهي ظهور جبهات المساندة بشكل عملي من جنوب لبنان واليمن والعراق غير مسبوق في تاريخ الصراع بحيث يتشكل لأول مرة جبهة حقيقية مساندة للجبهة في فلسطين فهي ليست جبهة رمزية أو جبهة مواقف أو تصريحات بل هي جبهة منخرطة عمليا في القتال والمواجهة بحيث شكلت عامل قلق كبير وصعوبة كبيرة للقرار الإسرائيلي
في جبهة الشمال، الإسرائيليون يقولون أننا خسرنا الشمال وأصبحت جبهة أمنية يتحكم بها حزب الله، ولم يعد الجيش يستطيع أو يعرف متى سيعود المستوطنين إلى منازلهم.
وفي جبهة اليمن لا أحد كان يتوقع أن هذه الجبهة التي فتحت من اليمن والاشتباك المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبدأت المعلومات تتحدث عن الخسائر الاقتصادية التي تتعرض لها إسرائيل والمرافق في إسرائيل التي لم تعد تصل إليها البواخر وما إلى ذلك، أمام معادلة جديدة توجت بالطائرة المسيرة التي أرسلها اليمن إلى "تل أبيب" هذه معادلة جديدة تعني أن اليمن أصبح منخرطًا بشكل مباشر وليس فقط عبر المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وأصبح يهدد مباشرة قلب الكيان إذ كشفت المسيرة بأن سماء الكيان لم يعد آمنًا كما كان يدعي هذا العدو دائما، وأن الخوف والرعب انتقل إلى المناطق الداخلية في الكيان هذه معادلة جديدة يمكن أن تنسحب على باقي أطراف المحور وهذا ما سيدفع إسرائيل للتفكير مليا بهذا الوضع الجديد.
س5/ ما السيناريو المتوقع حيال التصعيد مع جبهة اليمن؟
الواقع الإسرائيلي الذي شعر بتهديد كبير من القصف الذي طال أحد المباني في "تل ابيب" جعل المناقشات في الاجتماعات التي حصلت كانت فقط للتفكير في طبيعة الرد الإسرائيلي، وقد وجدت إسرائيل نفسها في مأزق، إذا ردت هناك مشكلة، وإذا لم ترد هناك مشكلة، فكان خيار الرد بالنسبة لإسرائيل أقل من حيث الخسائر المحتملة من عدم الرد، لان السبب في اليومين الماضيين أن إسرائيل اختارت الرد على منشآت نفطية في اليمن وروجت إعلاميا أنه انتصار جديد وضربة للمحور وكان خيار خاطئ استراتيجيا بالنسبة لقادة الكيان لأن الرد يعني أن جبهة أخرى فتحت مثل جبهة الشمال وان اليمن لم يعد يكتفي بمنع عبور الناقلات وأن اليمن سيرد بشكل مباشر على الاعتداء وسيكون في قلب الكيان وسيستهدف منشآت حيوية في إسرائيل
اليمن يفكر في طبيعة الرد وليس في أصل الرد، وسيدرك قادة الاحتلال بأن الجيش أخطأ في عملية الرد على المنشآت اليمنية لأن اليمن لن يقف مكتوف الأيدي وهنا تتعمق الأزمة الداخلية في الكيان، وتدخل إسرائيل في مرحلة جديدة من المواجهة بانخراط أطراف محور المقاومة وجبهات المساندة ولا شك أنها ستكون في مصلحة الشعب الفلسطينية وستزيد من أزمات الداخل الصهيوني.