قائمة الموقع

المقابر في زمن الإبادة: موت و«خراب ديار»

2024-08-03T10:14:00+03:00
أزمة مقابر في قطاع غزة 3.jfif
شمس نيوز - مطر الزق

ثلاثة رجال يحملون الفؤوس على أكتافهم، يسيرون بتعرّج تحت أشعة الشمس، قطرات العرق تتساقط من جبينهم، أحدهم يلتفت بعينيه يمنة ويسرة، باحثاً عن قطعة أرض فارغة داخل مقبرة «سويد» في دير البلح وسط قطاع غزة، ليواري جثمان جارته في الثرى. باءت محاولاته بالفشل، فمن بعيد أشار بيده إلى شجرة يستظل تحت أغصانها عدد من العمال، علّه يجد لديهم إجابة شافية، تُنهي حالة التيه التي أصابته فور الإعلان عن وفاة جارته.

استمرت عملية بحث المواطن محمد أبو صفر، عن مكان فارغ داخل المقبرة التي تبلغ مساحتها 35 دونماً، نحو 10 دقائق، وبعد انقطاع الأمل، توجّه إلى أحد العمال طالباً منه شراء قبرٍ جاهز؛ وهناك كانت المفاجأة، بأن تكلفة سعر القبر الجاهز، تصل إلى 600 شيكل [الدولار الواحد يعادل 3,7 شيكل] وهو مبلغ كبير، يتعذّر على ذوي المتوفاة دفعه كاملاً.

يقول أبو صفر: «توفيت جارتي عن عمر ناهز الـ 70 عاماً، وهي نازحة من غزة، وأنا أساعد أهلها، لكن أسعار القبور الجاهزة مرتفعة جداً، ذوو المتوفاة غير قادرين على دفع المبالغ، متسائلاً: أين نترك الجثمان؟ أين ندفنه ونواريه في الثرى؟ ماذا نفعل؟ لا توجد أماكن فارغة لدفن الجثامين! تساؤلات طرحها أبو صفر قبل أن يغادر غاضباً من المقبرة.

قبور بطابقين

بعد نصف ساعة تقريباً من المشهد وصل الحاج سعدي بركة (63 عاماً)، القائم بأعمال المقبرة، والموظف من بلدية دير البلح، وقد برّر في حديثه لـ"مراسلنا» ارتفاع الأسعار بالقول: «سعر كيس الإسمنت اليوم، يصل إلى 220 شيكلاً، إضافة إلى أجرة العمال المرتفعة بسبب غلاء المعيشة»، وأكد كذلك أن «القبور لجثامين الشهداء مجاناً».

ويلفت بركة إلى آلية يتم العمل بها منذ بداية حرب الإبادة الجماعية، بإشراف ومتابعة من بلدية دير البلح، مبيّناً أن مدينة دير البلح «تحتوي على 3 مقابر، جميعها ممتلئة عن بكرة أبيها، وكان الدفن ممنوعاً فيها نهائياً قبل الحرب، وهناك أرض مخصّصة للموتى؛ لكنها قرب الحدود الشرقية، ما يشكل خطراً حقيقياً على الناس والنازحين». وأوضح بركة أن «الأوضاع الميدانية، وكثرة الشهداء، وأزمة نقص القبور، فرضت دفن الجثامين بعضها فوق بعض، طابقين».

وشدّد بركة على أن لديه فتوى شرعية بعملية الدفن «طابقين» بشرط «وضع قواطع أو حواجز بين الجثامين» وفي ما يتعلق بالمجازر الكبيرة، يستذكر بركة مجازر «الطبطيبي، الدحدوح، الكرد، العطار، البركة، أبو ستة، أبو درويش، العزايزة»، ويقول: «دفنت في قبر واحد نحو 60 أو 70 جثماناً». ويوضح أنه في المجازر، تُدفن الأسرة الواحدة معاً: «الزوج والزوجة والأبناء، ثم نضع ساتراً، وبعدها الأسرة الثانية، وهكذا حتى تتسع المقبرة لأعداد الشهداء الكثر».

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرا

وبيّن أنه منذ بداية الحرب حتى الآن، تمّ الدفن في مقبرة «سعيدي» مرتين، «حيث أقدمنا على عمل طابقين، وهذا الأمر تسبب بتشويه المقبرة بشكل كبير، فقد كانت من قبل، عبارة عن مزار لعائلات دير البلح، نظراً إلى جمال شكلها وترتيبها وتزيينها بالأشجار العملاقة».

ويشدّد بركة على أن القائمين على المقبرة «يحتاجون إلى دعم وتمويل من الجهات الرسمية، لتقليل الأسعار على ذوي حالات الوفاة».

 

موت كثير بلا قبور

من جهته، يروي المواطن أحمد المغاري، تفاصيل مروّعة عن أزمة نقص القبور، ولا سيما في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، إذ يقول: «في منتصف شهر كانون الأول الماضي، ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة كبيرة، بحق عائلات عدة في المغازي، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 150 مواطناً ونازحاً، وعندما اتجهت الجنازات إلى مقبرة الفار، فوجئنا بعدم قدرتنا على توفير القبور، وهنا اضطر الناس لحفر حفرة بعمق مترين، بعرض 3 أمتار وبطول نحو 100 متر»، حينها استخدم الناس، وفقاً للمغاري، بناء «قبور بثلاثة طوابق، ليتمكنوا من دفن الشهداء بعضهم فوق بعض». ولفت أيضاً إلى وجود فتوى شرعية بـ«الدفن بشكل جماعي عندما يتعلق الأمر باستشهاد أسرة بأكملها. في ما يتم وضع سواتر شرعية بين الأسر المختلفة، بسبب نقص الأراضي المخصّصة للدفن، إضافة إلى ارتفاع ثمن المواد الخام، لبناء القبور، أضعافاً مضاعفة عن أسعار ما قبل الحرب».

ومن ضمن ما يتذكّره المغاري، حادثة دفن عمته وبناتها، فيقول: «في 3 كانون الثاني الماضي، استهدفت طائرات الاحتلال منزلاً لعائلة المغاري، فاستشهدت عمتي نجوى وبناتها الثلاث سماح وسميرة وهدى»، مضيفاً أنه عندما تم الإعلان عن استشهادهن «كنا في حيرة من أمرنا، إلى أين نتجه؟ مقبرة الفار في المغازي، امتلأت عن بكرة أبيها. وهنا اضطرت العائلة للبحث في إحدى مقابر دير البلح، فلم تجد سوى حفرة صغيرة، لوضع الشهيدات الأربع، بعضهنّ فوق بعض».

ويؤكد المغاري أن هناك أزمة عميقة وكبيرة في القبور، لدفن الشهداء والموتى، لأسباب متعددة، «أبرزها استمرار المجازر الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا، فهي لم تتوقف منذ أكثر من 300 يوم، وكل يوم تسجل وزارة الصحة عشرات الشهداء الجدد بفعل القصف الإسرائيلي، إضافة إلى ارتفاع تكاليف القبور والدفن للموتى الطبيعيين وليس للشهداء».

 

 

 

اخبار ذات صلة