غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

عمالة الأطفال في غزة تتضاعف.. حرب ضروس لتوفير لقمة العيش بأيدي الصغار

عمالة الأطفال في غزة.jfif
شمس نيوز - خالد الشرباصي

يتقطر منه العرق كحبات اللؤلؤ وهو ينادي "هي الشراب الساقع" بينما يوجه وجهه نحو أشعة الشمس الملتهبة، وهو يمسح جبينه بطرف ردائه الذي لطالما اكتسى بلون البارود وعرق النزوح، هذا ليس مشهدا من فيلم بائس، إنما هو تصوير حي لما يمر به أطفال قطاع غزة جراء حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" منذ نحو 10 أشهر ضد سكان القطاع، والتي دفعت الصغير والكبير لدفع فاتورة استقبالها والعيش في جحيمها الممتد من شمالي القطاع إلى جنوبه.

وتتزايد ظاهرة عمالة الأطفال في غزة مع تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية، في محاولة منهم لإعانة أسرهم التي تعاني أزمات معيشية خانقة، بالتزامن مع الغلاء الفاحش في مختلف السلع والمتطلبات الأساسية، وغياب الدعم القادر على إسناد أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع المدمر والمحاصر.

وتشهد أسواق وشوارع محافظات قطاع غزة انتشار الأطفال في مهن مختلفة، أبرزها العمل كباعة متجولين، أو على بسطات صغيرة خاصة ببيع المواد الغذائية أو المنزلية، أو بيع المرطبات والمسليات والحلويات، أو مساعدين في الحرف اليدوية المتنوعة كمهنة الحذّاء أو الخباز أو الخياط، كما يعمل العديد من الأطفال في قطاع النقل والمواصلات، عبر المناداة على الركاب، أو جر العربات اليدوية داخل الأسواق أو مراكز توزيع المساعدات الإنسانية.

محمود عزام، طفل لم تشفع له عمر العاشرة لكي يمارس حقه -المسلوب أساسا- في طفولة كريمة على هذه الأرض، فمنذ اندلاع الحرب وغرس رحاها، تحول السواد الأعظم من الأطفال إلى "سوق العمل" أو قل إلى سوق الخيام ورحلة الصراخ طوال نهار لا يهدأ، فأصبحوا عبارة عن باعة متجولين، لا رصيد لأسرهم سواهم، ولا ملجأ لقوت إلا من خلال دراهمهم المغسولة بالعرق.

يكاد صوت الطفل عزام لا ينقطع، فما بين خيمة وضحاها تجده صارخا ومروجا لكيس الشراب، وهو الذي لطالما تميز في مدرسته، قبل أن تصبح "خبر كان"، يقول لمراسلنا: "نزحت مع أسرتي من شمال قطاع غزة إلى جنوبه مجبرين بفعل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي، ولم نجد سوى خيام بالية صنعناها بأيدينا لتستر عائلتنا".

الطفل عزام الذي تجاوز خلال حديثه عمره بعشرات السنين يُشير إلى أن الأسرة مضت أسابيع في دير البلح وسط القطاع دون أن تلبي احتياجاتنا كأطفال من مأكل وملبس ومشرب وأدوية وألعاب، لذلك اضطررت للعمل من أجل مساعدة أسرتي وتوفير ما يلزمها".

ويلفت الطفل عزام إلى أن مئات بل آلاف الأطفال بعمره يمارسون العمل في مختلف المهن من باعة متجولين أو على بسطة صغيرة أو على كارة يجرها حيوان أو العمل على مناداة الناس أو ترميم الأحذية المهترئة وغيرها الكثير من المهن.

عند تقاطع خيمتين، يلتقي محمود عزام برفيق النزوح، محمد كحيل متسائلًا: "كيف شايفها؟!" ليجيب محمد باسما كالعادة " الله كريم.. ربك يرزق".

كحيل الذي كتبت الحرب عليه بأن ينطلق بدكان صغير "بسطة" بالقرب من خيمته، ليعيل سربا من الأطفال خلفه، يشكو واقعا مؤلما بكلماته البريئة والتي تشف عن تجربة سبعيني وليس لتجربة طفل في سن الحادية عشر!.

كحال صديقه عزام نزح الطفل كحيل من مدينة غزة إلى جنوب الوادي عله يجد الأمن والأمان في المناطق التي زعم الاحتلال بأنها آمنة إذ يقول: "نزحت مجبرا جنوب وادي غزة لكن لا يوجد أمن ولا أمان كل يوم بشعر بالخوف والرعب الاحتلال يقصف في كل المناطقة التي يدعي أنها آمنة".

واستدل الطفل كحيل بمجزرة مواصي خانيونس التي راح ضحيتها أكثر من 100 نازح ونازحة ممن حاولوا الحصول على الأمن والأمان، لكنه يقول: "كنا عايشين ومبسوطين في غزة لكن الحرب غيرت أحوالنا وأجبرتنا للعمل لمساعدة الأسرة لتوفير ما يلزمنا من أموال ومستلزمات".

وبينما يمر مراسل "شمس نيوز" في المخيم ذاته في دير البلح، حتى يباغته من بعيد عربة "كارو": هي المية الحلوة.. وإذا بالمشهد عاد ليتكرر وكأن الحرب صنعت لنا من كل مستحيل حدثا عاديا.

أجل.. طفلان في عمر الورد يقودان هذا الموكب، وليتك ترى تلك الطبقة السمراء على جلدهم نتيجة لحرقة السماء من جهة ونتيجة لحرقة أهل الأرض والواقع الأليم، لن تجد استصراخا أعمق من نظراتهم وهما يهمسان" بدك مية حلوة يا عم.. بشيكل القربة بس.. ومش ح نقصر".

طفلان نجت أجسادهما من مجزرة مروعة في شمال القطاع، يكدحان من أجل تأمين قوتهما بعدما دفنا أخاهما بأيديهما دون حتى نظرات الوداع.

إنها الزاوية التي لا ترغب بالجلوس عندها، والألم الذي لا شفاء منه، يحمل كل طفل مهنة وعذاب وذاكرة لن ينساها التاريخ، هكذا هي الحرب على غزة.. طفل يعيل طفل وطفل يحمل أخاه الشهيد إلى مثواه الأخير، وكلهم يدفعون ضريبة طفولتهم بدراهم من دماء.

يُشار إلى أن مئات بل آلاف الأطفال استبدلوا حقائب الدراسة بمهن متنوعة لا تقوى عليها أجسادهم الصغيرة، في ظل تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية ضد سكان القطاع ما أدى لاستشهاد نحو 40 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 90 ألفاً بجراح متفاوتة، نحو 70% من الشهداء والمصابين هم من الأطفال والنساء.