يوافق يوم الحادي والعشرين من شهر أغسطس الجاري، الذكرى السنوية الخامسة والخمسين لإحراق المسجد الأقصى المبارك، على يد السويسري المتطرف مايكل روهان، ففي العام 1969م، أقدم الصهيوني "روهان" على إحراق المصلى القبلي، ومنبر صلاح الدين الأيوبي في المسجد الأقصى المبارك، في خطوة شكَّلت اعتداءً آثماً على المقدسات الإسلامية، وتترجم العقلية الإجرامية للاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه.
ويرى عضو المجلس الوطني الفلسطيني، الكاتب والمحلل السياسي د. شفيق التلولي، أن إحراق المسجد الأقصى المبارك قبل 55 عاماً، يمثِّل العقيدة الصهيونية التي تأخذ من الرواية التوراتية سبيلاً لارتكاب الجرائم والمذابح، واستكمالاً لسلسة الجرائم بحق الفلسطينيين منذ العام 1948م.
وقال التلولي، في حواره مع "شمس نيوز"، إن تلك الخطوة هدفها وضع المنطقة وفلسطين أمام صراع ديني تسعى "إسرائيل" لتكريسه؛ لبسط سيطرتها على الأرض الفلسطينية واغتصابها، وطمس معالم الفلسطينيين، وحضارتهم، وتاريخهم، وارتباطهم بمقدساتهم.
وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي باعتداءاته المتكررة على المسجد الأقصى، واستمرار أعمال الحفر والتوسع أسفله لإقامة ما يسمى "الهيكل المزعوم"، يتعمد استفزاز مشاعر المسلمين؛ لما يشكله لهم المسجد المبارك من رمزية ومكانة دينية.
وما يزال حرق المسجد الأقصى ماثلاً في الوجدان الفلسطيني والعربي الجمعي، ولن تغيب هذه الذكرى عن عقولهم ووجدانهم، إذ لا يمكن تزييف التاريخ -كما يردف د. التلولي-، مهما حاول العدو.
وأكد المحلل التلولي أن المسجد الأقصى المبارك خصوصاً والقضية الفلسطينية عموماً هي محور الصراع مع الاحتلال، ودرة التاج العربي والإسلامي، ولن ينجح الاحتلال في استئصال هذه العقيدة الراسخة والمتجذرة لدى العرب والمسلمين.
وأشار إلى أن حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي من خلال عدوانه المتواصل على قطاع غزة وعملياته الإرهابية في الضفة الغربية، ليست وليدة اليوم بل تندرج ضمن سلسلة جرائم منظمة يرتكبها الاحتلال ضد الفلسطينيين لاقتلاعهم من أرضهم الفلسطينية ومحوهم منها.
هذا الأمر بات واضحاً جلياً في هذه الحرب الغاشمة التي تعتبرها "إسرائيل" حرباً وجودية، وتعيد إلى الأذهان عقيدة الإبادة والمحو التي يسير وفقها الاحتلال الإسرائيلي، على غرار ما فعلته عصابات "شتيرن" و"هاجانا" وغيرها في العام 1948م، والتي ارتكبت أبشع المجازر بحق الفلسطينيين، -كما يوضح الكاتب التلولي-.
هذه العقيدة لا تزال مستمرة، -كما يضيف المحلل السياسي- من خلال الحرب الشعواء التي دمرت قطاع غزة بأكمله من بنى تحتية ومؤسسات وبيوت، فضلاً عن أن هناك 150 ألف ضحية أنتجتهم أفاعيل تلك الحرب بين مفقود وجريح وأسير وشهيد.
وعلى الرغم من ذلك، فإن "الشعب الفلسطيني في غزة الذي يعيش أكبر محرقة في التاريخ، ويعاني في الضفة والقدس، لن تغيب عن باله جرائم الاحتلال، وحرق المسجد الأقصى المبارك، وسيبقى في وجدانهم رمزاً دينياً مقدساً، وعنواناً للصمود والثبات والنضال".
ويتابع د. التلولي قوله: "من الواضح أننا أمام حرب شرسة ليست في غزة فقط، بل في الضفة الغربية والقدس أيضاً، أساسها خلق بيئة طاردة للفلسطينيين وتهجيرهم من على أرضهم، واقتلاعهم واجتثاث جذورهم منها لإقامة الدولة الصهيونية اليهودية، وتطبيق قانون القومية اليهودية الذي سنَّه الكنيست الإسرائيلي عام 2017-2018م، والرامي إلى إخلاء فلسطين من الديانات والأعراق الأخرى".
وتسعى حكومة الاحتلال الحالية وهي الأكثر تطرفاً والأشد فتكاً بالفلسطينيين، من خلال تكثيف العدوان على الأقصى، -كما يشير التلولي- إلى فرض التقسيم الزماني والمكاني على أرض القدس، سيما في المسجد المبارك، وخلق وقائع جديدة لتهويده، مشدداً في الوقت ذاته على أن الفلسطينيين لن يقبلوا بتمرير هذه المخططات الخبيثة، وسيستمرون في الدفاع عن حياض الأقصى وفلسطين، مهما كلف ذلك من ثمن.
ونبَّه عضو المجلس الوطني الفلسطيني إلى أن المجتمع الدولي يعاني من حالة عجز وشلل تام وعدم القدرة على منع جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، مؤكداً أنه "آن الأوان لكي يتحرر المجتمع الدولي من هذا العجز، ويُحَرَّر القرار الأممي وقرار مجلس الأمن الدولي من أدراج البيت الأبيض الذي يبتز العالم كله من خلال الفيتو".
وأضاف أن الإدارة الأمريكية تحاول الضغط على محكمتي العدل والجنايات الدوليتين، وتسييس القضاء الدولي، وتغييب القانون، من خلال نزع الأدوات اللازمة لتنفيذه وتحقيقه، وتوفير الدعم الكامل والمطلق للاحتلال لمعن في قتل الفلسطينيين.
إنَّ شكل النظام العالمي الحالي أحادي الجانب يجب أن يتغير، وفق ما يشرحه د. التلولي، فمن غير المعقول أن يستمر الاحتلال بقتل الفلسطينيين أمام مسمع ومرأى العالم، دون أن يتحرك الأخير لحقن نزيف وشلال الدماء، ووقف الحرب التي تلتهم الأراضي الفلسطينية، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك.
ويشدد على أن استمرار انتهاك حرمات المسجد الأقصى سيشعل فلسطين والمنطقة بأكملها، فالحروب الدائرة كلها أساسُها القدس، ويجب ألا تغيب رمزية القدس عنا، "فهي المشكلة وهي الحل"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن أن تستقر المنطقة دون إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ودحر الاحتلال من هذه الأرض".
وأكد عضو المجلس الوطني على أن الشعب الفلسطيني الذي مازال يرزح تحت أطول احتلال في العالم، لا يزال يناضل ويكافح منذ أكثر من 100 عام؛ دفاعاً عن قضيته وعقيدته، وتمسكاً وتثبتاً بأرضه، وحفاظاً على هويته التاريخية ووجوده، منبِّهاً إلى أن "محاولات طمس الهوية وحرب الرواية من خلال تسويق الخرافة الصهيونية على حساب الرواية الفلسطينية لا يمكن أن تنطلي على أحد".
وجدد الكاتب التلولي تأكيده على أن إحياء ذكرى إحراق المسجد الأقصى لا يكون من أجل اجترار البكائيات، بل هي ذكرى لتجدد النضال الفلسطيني والتذكير بوحشية الاحتلال، وهذا يتطلب أيضاً الاستمرار في الفعل الدبلوماسي على مستوى العالم، وحشد الرأي العام العالمي وتشكيل جبهة إعلامية عريضة لكشف وفضح جرائم الاحتلال.
ويرى المحلل التلولي، أن هناك تحولاً كبيراً في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، ويجب أن يبنى عليه، من خلال استمرار النضال الإعلامي عبر المنابر الإعلامية المتاحة لتثبيت الراوية الفلسطينية وحشد هذا الرأي العالمي وشعوب العالم لصالح القضية، وحماية القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.