قائمة الموقع

"كنز مفقود".. غزة بلا منظفات والأسعار في العلالي

2024-09-03T17:37:00+03:00
أزمة المنظفات في غزة
شمس نيوز - خالد الشرباصي

يحاول أبو الوليد جاهدًا الحفاظ على أجساد أبنائه من الحساسية والطفح الجلدي المنتشر بين الأطفال في الخيام كـ"الجراد"؛ لأسباب تتعلق بالنظافة واستخدام مياه لا تخلوا من التلوث، إذ يسعى متجاوزًا ازدحام الطرقات الشعبية والرسمية في دير البلح وسط قطاع غزة للبحث عن بعض المنظفات التي تحمل الماركات العالمية التي اختفت وباتت بمثابة "الكنز المفقود".

"والله هيَّ شامبو صانسيلك"، قالها أبو الوليد عندما شاهد أحد الباعة المتجولين داخل سوق دير البلح يعرض علبة الشامبو التي كانت تربطه علاقة وطيدة بهذه الماركة العالمية منذ 35 عامًا؛ وقال في قرارة نفسه: "هذه النوعية قد تساعدنا في حماية الأطفال من الحساسية المفرطة التي انتشرت بين خيام النازحين".

ورصد مراسل "شمس نيوز" الحوار الذي دار بين أبو الوليد والبائع أبو محمد الديراوي حيث فاجأه بأن علبة الشامبو يصل سعرها اليوم نحو 180 شيكل، كتم الرجل صوته ومال على البائع ليهمس بأذنه "ارحمني"، استغل البائع رغبة الزبون بشرائها ليقول: "والله علينا هيك .. بايعك إياها براس مالها".

وأرجع البائع الارتفاع المجنون في الأسعار إلى النقص الحاد وغير المسبوق في كمية أدوات ومواد التنظيف المعروضة في الأسواق بشكل خيالي، إذ وصل في بعض السلع إلى أكثر من 20 ضعفاً عما كان عليه قبل اندلاع الحرب.

ويتسبب الإغلاق الإسرائيلي المتواصل لكافة المعابر المؤدية إلى قطاع غزة منذ بداية العدوان في السابع مع أكتوبر/ تشرين الاول الماضي في خلق مجموعة من الأزمات التي تمس الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للفلسطينيين، وفي مقدمتها المواد الغذائية، والماء، والكهرباء، والأدوية، والمستهلكات الطبية، كذلك الأدوات الصحية، ومواد التنظيف.

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

وتضاعفت أزمة مواد التنظيف في قطاع غزة مع سيطرة الاحتلال الإسرائيلي الكاملة على معبر رفح الواصل بين جنوبي قطاع غزة المُحاصر مُنذ سبعة عشر عاماً، وبين جمهورية مصر العربية مطلع شهر مايو/ أيار الماضي، وما رافقها من منع تام لدخول المواد الأساسية، والمساعدات الإنسانية التي تتضمن بعضاً من أدوات ومواد التنظيف.

غادر أبو الوليد "بسطة" الديراوي متذمرًا من ارتفاع أسعار مواد التنظيف قائلًا لمراسلنا: "ارتفاع الأسعار وانعدام توفر مواد التنظيف في الأسواق سيؤدي لانتشار الأمراض على أجساد الأطفال، نحن نعاني من حرارة مرتفعة جدًا داخل الخيام المصنوعة من النايلون".

 

وبالقرب من بسطة الديراوي يجلس المسن أبو محمود حجاج، يبتاع بعضًا من مواد التنظيف "صابون – كلور – شامبو" يقول لمراسلنا: "منذ بداية الحرب ونزوحنا من الشجاعية لدير البلح تعرضنا لأوضاع مادية صعبة؛ لذلك قررت العمل على بسطة صغيرة لتوفير قوت يومي وأطفال".

فاجأه أحد المارة أثناء حديثنا معه وهو يقول "بكم الجوهرة يا حج" ابتسم حجاج واتسعت عينيه فرحًا ووقف وهو يقول: "هو انت يا الله كم اشتاق إليك اقترب" فقد غاب الاثنين في احتضان بعضهما اشتياقًا بعد نحو 10 شهور من البعد القسري".

دار حديث كثير بينهما قبل أن يسأله خالد عن أسعار مواد التنظيف والأدوات الصحية فقال له: "سيبك منها أسعار الماركات العالمية نار ومش موجودة أصلًا، لذلك أنصحك باستخدام مواد تنظيف تركيب محلية الصنع".

وأبلغ حجاج صديقه خالد أن ارتفاع الأسعار المجنون في مواد التنظيف سببه إغلاق المعابر وعدم سماح الاحتلال الإسرائيلي بإدخالها، إذ يقول: "يبدوا أن جيش الاحتلال يريد أن يعرضنا واطفالنا لأمراض جلدية وحساسية مفرطة في أجسادنا"، وأضاف خالد لصديقه تلاعب تجار الحرب في الأسعار فهمهم الوحيد هو جمع المال رغم ما نتعرض له من مأساة وكابوس مرعب.

على يسار مراسلنا يتأفف المواطن أبو أحمد المدهون منذ أن سمع بسعر علبة الشامبو فقد بدا وجهه شاحبًا وهو يردد كلمات مؤلمة: ""إيش اللي بيصير فينا يا جماعة إيش سبب هالغلا"، ليرد عليه حجاج: "والله ما هو احنا يا جماعة الأسعار من التجار الكبار".

يعرب المدهون عن خطورة عدم توفر مواد التنظيف والنظافة الشخصية إذ يقول: "نخشى انتشار الجراثيم والفايروسات بين الأطفال لأسباب متعددة أخطرها عمليات النزوح وآبار المياه الملوثة ما يشكل خطرًا على صحتهم" مستذكرًا مرض شلل الأطفال الذي انتشر بين أطفال قطاع غزة.

وأردف المدهون رسالته للتجار: "والله الي ابتعملوه لا يُرضي الله ولا رسوله"، لافتًا إلى أنه شعر بالتعب جراء تنقله من بسطة إلى أخرى بحثًا عن شامبو نظيف وفي حال عثر عليه كان سعره في العلالي".

لكن المواطن أبو علي مهاني كان له رأي آخر فقال لمراسلنا: "لا تبحثوا عن مواد التنظيف العالمية في هذا الوقت، فهذه المواد عبارة عن "كنز مفقود" بسبب اغلاق المعابر وجشع بعض التجار"، وأشار إلى المنظفات المركبة يدويا، فهي تؤدي الغرض كما يقول.

ويتسبب نزوح مئات آلاف الفلسطينيين عن منازلهم بما فيها من مستلزمات، بتوجههم لشراء المواد الأساسية الخاصة بالتنظيف، كالمكانس والقشاطات والجرادل (أدوات النظافة المنزلية)، وباقي مواد التنظيف، إلّا أن الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، وعدم السماح بدخول البضائع تسبب بحالة من الشُح الشديد في الأسواق، في ظل تزايد حاجة المواطنين لتلك المواد، خاصة مع طول أمد الحرب، التي دخلت شهرها العاشر.

وتعاني غزة من أزمة بيئية كبيرة، بسبب تدمير الاحتلال للبنية التحتية وتلوث المياه وتراكم النفايات، وفي المقابل باتت الهيئات المحلية غير قادرة على الحد منها.

اخبار ذات صلة