يمزج "إبراهيم خلف" عدداً من المراهم والمضادات الحيوية، داخل نقطة "الهداية الطبية" بمنطقة مواصي خانيونس جنوبي قطاع غزة، وفقَ معايير علمية دقيقة؛ لتحضير تركيبٍ دوائيٍّ يُعالِج مرض "القوباء" والتسلخات الجلدية المتفشية في أجساد الأطفال وبعض كبار السن، بسبب انعدام سُبُل النظافة في خيام النزوح، وفيضان مياه الصرف الصحي الكارثي ومنع الاحتلال إدخال مواد التنظيف و"الشامبوهات"، واستمرار حربه الغاشمة على قطاع غزة للشهر الحادي عشر توالياً.
مواد هذا التركيب الذي يُحضِّره "خلف" في زمن الإبادة، ويعتبره علاجاً موضعياً بديلاً، تُضاف إليه بعض مضادات الأكسدة، التي تمنع فساده، في ظل عدم وجود بيئة مناسبة تستوفي المقاييس الطبية في الحفظ والتخزين.
الصيدلي "إبراهيم محمد خلف" خريج حاصل على مرتبة الشرف الثانية من كلية الصيدلة بجامعة الأزهر – غزة، استطاع خلال الحرب تحضيرَ تركيبٍ طبيٍّ فريدٍ يُعالج بعض الأمراض الجلدية المتفشية في القطاع، كَحَلٍّ بديلٍ لعدم توافر الأدوية اللازمة، نتيجة إغلاق المعابر ونفاد الأدوية في مستودعات وزارة الصحة ومنع الاحتلال إدخالها.
إضافة إلى تخصصه الجامعي، حصل الصيدلي "خلف" على دورات عدة في المجال الطبي، كدورات في الإسعافات الأولية، وأخرى في صرف أدوية وصفة طبية OTC، وشارك في مؤتمر "العلوم الصيدلانية الدولي الثاني"، كما شارك في كثير من المؤتمرات البحثية في المجالات العلمية والطبية، التي كانت تنظمها وزارة التربية والتعليم العالي.
خلال الحرب، أحصى "خلف" أكثر من 6 مرات اضطرت عائلته للنزوح فيها، ويعيش حالياً في منطقة يحددها الاحتلال على أنها خطرة جداً، وحاله كحال بقية المواطنين، لم تكن رحلات نزوحه وعائلته مفروشة بأكاليل الورود، بل كانت مليئة بالأشواك والمتاعب والصعوبات، وأُجبِر على السكن داخل خيمة تفتقر لأبسط الحقوق الإنسانية، فمن جهة تصب أشعة الشمس الحارقة جام غضبها على جلودهم، وشح المياه النظيفة وفيضان مياه الصرف الصحي، وانتشار الأوبئة من جهة أخرى.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
أمام الظروف المأساوية والقاهرة التي يعيشها أهالي القطاع بسبب الحرب، وتفشي الأمراض والأوبئة، وجد "خلف" أن واجبه المهني يحتم عليه مساعدة أبناء شعبه طبياً، وهو ما حصل من خلال الالتحاق بنقطة "الهداية"، وهي نقطة طبية يعمل بها طبيبان وصيدلي وثلاث ممرضين و"ريسبشن"، تابعة لقسم الرعاية الأولية بوزارة الصحة، وتقدم خدماتها واستشاراتها مجاناً للمرضى النازحين في منطقة مواصي خان يونس.
أثناء عمله في النقطة الطبية، لفت انتباه الصيدلي "خلف" انتشاراً وتفشٍّ كبيرين للأمراض الجلدية في صفوف الأطفال وبعض كبار السن وظهور تسلخات وطفح بشكل بارز على جلودهم، ومع عدم توفر المراهم والأدوية الخاصة بعلاجها، استشعر عِظَمَ الخطر المحدق، ما دفعه لدراسة هذه الأمراض بدقة والقيام بتجارب عدة؛ أملاً في إيجاد حلول بديلة وصنع علاجٍ لها، والتخلص منها وعزلها.
أبرز تلك الأمراض المتفشية والتي نجح الخليط الذي صنعه "إبراهيم خلف" في علاجها، هي مرض "القوباء" و"الطفح الجلدي"، و"حب الشباب"، و"التسلخات الجلدية - السماط"، و"البواسير"، و"الشق الشرجي".
يقول الصيدلي "خلف" لمراسل "شمس نيوز": "ركزنا على مرض القوباء، وهو مرض جلدي بكتيري معدٍ ينتشر حالياً داخل قطاع غزة، ويصيب حوالي 90% من الأطفال كما أنه يصيب الكبار"، مضيفاً: "بما أنه لا يتوفر له العلاج الموضعي المناسب قمنا بتحضير هذا الخليط".
حَقَّقَ هذا التركيب الدوائي نتائجَ قوية وعاليةَ الفعالية، -وفقاً لما أكده الصيدلي "إبراهيم خلف"-، إذ زاد عدد المرضى المُراجعين من ٩٠ حالة إلى ٣٠٠ حالة يومياً، ووافقه في ذلك والد الطفل "أحمد" البالغ من العمر (7 سنوات)، والذي أبدى بدوره قبولاً واستحساناً للتركيب الدوائي بعد أن لمس نتائجه على جسد طفله واختفاء آثار التسلخات الجلدية في فترة وجيزة، مُثْنِيَاً على دور الصيدلي "إبراهيم خلف" والطاقم الطبي داخل النقطة الطبية في مساعدة المرضى.
ذلك الأمر أدى إلى عودة حيوية العمل مرة أخرى في النقطة الطبية، -كما أشار "خلف"-، في وقتٍ كانت نسبة الخدمات المقدمة فيها قد ضعفت بسبب عدم توافر الأدوية ومنع الاحتلال إدخالها عبر المعابر التي سيطر عليها، لكنَّ الإرادة والعزيمة مَكَّنَتَاهُ من استغلال قدراته العلمية والموارد "البسيطة" المتوفرة بالنقطة، لصنع تركيبه العلاجي.
لكنَّ مكونات هذه التركيب، -كما يُحذِّر-، ستنفد حال استمرار إغلاق المعبر ومنع دخول الأدوية، وهو "ما ينذر بعواقب صحية وخيمة وكارثية".
أما عن آفاقه المستقبلية بعد انتهاء الحرب، يطمح "إبراهيم خلف" في الحصول على عمل في مكان "يحترم قدراته العلمية والعملية ويحتويها"، كما يطمح لدراسة "الماجستير والدكتوراه" وإكمال درسته الأكاديمية، والتخصص في مجال الصيدلة وصناعة الأدوية.