شيّع آلاف الفلسطينيين في محافظة طوباس، أمس، جثامين خمسة شهداء قضوا في قصف من طائرة مُسيّرة، استهدفتهم عقب انسحاب قوات الاحتلال من المدينة بعد عملية عسكرية استمرّت لأكثر من 48 ساعة.
ونعت "سرايا القدس" و"كتيبة طوباس"، الشهداء، الذين قالت إنهم «أبطال وحدة التصنيع والهندسة» لديها، واستشهدوا «إثر غارةٍ صهيونيةٍ غادرة أثناء تأديتهم لواجبهم القتالي في إعداد الكمائن والعبوات لقوات العدو في مدينة طوباس»، مؤكّدة أنها ستظلّ «ثابتة على درب الجهاد والمقاومة حتى التحرير والعودة».
وكان الاحتلال فرض، خلال عدوانه الأخير، حظراً للتجوال في المدينة، مانعاً الأهالي من الحركة والتنقّل، وهو ما حال دون تشييع شهدائهم إلا بعد انسحاب القوات "الإسرائيلية"، حيث انطلقت مسيرة ضخمة من مستشفى «طوباس التركي الحكومي»، وجابت شوارع المدينة وسط هتافات غاضبة مندّدة بجرائم العدو، ومؤيّدة للمقاومة والردّ على جرائم الاحتلال.
وعلى مدى يومين من العدوان، تواصلت عمليات المقاومة في طوباس، كما في مخيم الفارعة وبلدة طمون، ولعلّ أبرزها إيقاع قوات الاحتلال في كمين في محافظة طوباس خلال انسحابها مساء الخميس، إذ أعلنت «كتائب شهداء الأقصى» تنفيذ عملية نوعية قالت إنه قُتل وجُرح فيها جنود "إسرائيليون"، بعدما نصبت كميناً محكماً لقوة صهيونية بالقرب من ديوان المسلماني، حيث جرى الاشتباك معها من النقطة الصفر بالأسلحة الرشاشة. أيضاً، نصبت المقاومة، خلال انسحاب تلك القوات، كميناً ضدّها في منطقة الثغرة في طوباس، تخلّله تفجير عبوة ناسفة، وإطلاق نار كثيف، وكذلك في بلدة تياسير، حيث وقعت اشتباكات، وصلت بعدها مروحيتان إلى حاجز البلدة العسكري لنقل الجنود المصابين.
وفي محافظة طولكرم، شيّعت جماهير غفيرة، بعد صلاة الجمعة، خمسة شهداء بينهم فتاة، قضوا خلال العدوان على المحافظة، والذي خلّف دماراً كبيراً في البنية التحتية وممتلكات المواطنين - جراء عمليات التجريف والتخريب، وهدم وتفجير المنازل والمحالّ التجارية، وحتى تهشيم شوارع جرى العمل على إصلاحها خلال الأيام الماضية -، في حين دخلت فرق إغاثة مخيم طولكرم، وباشرت في توزيع المواد الغذائية على العائلات المتضرّرة. وكان تكرّر، في المرحلة الثانية من العدوان، السيناريو نفسه، لناحية «الدمار الشامل» في مخيمَي طولكرم ونور شمس، وتجريف الشوارع وتحديداً الشارع الرئيسي المعروف بشارع نابلس، ما يدلّل على أن هذا الفعل بات هدفاً لذاته، وتحوّل إلى أداة ضغط وقهر للمواطنين، خاصة أنه يترافق مع تدمير شبكات الخدمات من مياه وكهرباء واتصالات وصرف صحي، وكذلك حرق منازل الأهالي وتفجيرها، إذ دمّر الاحتلال ما يقارب 20 منزلاً بشكل كامل في مخيم طولكرم، في حين تعرّضت المستشفيات لحصار طوال مدّة الاقتحام، وسط عرقلة عمل طواقم الإسعاف.
وانتهت، أول من أمس، المرحلة الثانية من عملية «مخيمات الصيف» التي أطلقها جيش الاحتلال في الـ28 آب الماضي، حيث انسحبت قوات الاحتلال من مدينة طولكرم ومخيّمَيها بعد أكثر من 72 ساعة على اقتحامها، ومن محافظة طوباس بعد أكثر من 48 ساعة على اقتحامها. وفي هذا الوقت، تتّجه الأنظار مجدداً إلى مدينة جنين، التي نالت حصة الأسد من العدوان في مرحلته الأولى، بعدما تواصلت العملية العسكرية فيها على مدى 10 أيام، فيما يُتوقّع أن يستأنف العدو هجومه على المدينة والمخيم في أيّ لحظة.
وعلى رغم تركّز العملية العسكرية في شمال الضفة الغربية، إلا أن التصعيد يطاول بقية مناطقها، في وقت يستمر فيه استنفار قوات الاحتلال في المستوطنات، ومن بينها مستوطنة علمون، التي شهدت، ليل الخميس - الجمعة، إطلاق صافرات الإنذار تحذيراً من اقتحامها من قِبَل مقاومين، لتطلب قيادة الجبهة الداخلية من المستوطنين إغلاق الأبواب والنوافذ في أعقاب رصد ثقب في السياج. وكانت قوات الاحتلال اقتحمت، فجر الأربعاء، أحياء في مدينة نابلس وقلقيلية وعشرات البلدات والقرى من شمال الضفة الغربية إلى أقصى جنوبها، وشنّت حملة اعتقالات واسعة. لكنّ الملاحظ، في الساعات الـ48 الماضية، كثافة الهجمات من قِبل عصابات المستوطنين، والتي استهدفت المزارعين في أكثر من محافظة، كان أبرزها الهجوم على بلدة دوما وإحراق منازل وممتلكات للمواطنين، وتسميم عشرات رؤوس الأغنام لرعاة من عرب المليحات قرب أريحا.
وبالتزامن مع العدوان على شمال الضفة، كثّفت وسائل الإعلام "الإسرائيلية" الحديث عن دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في المرحلتين الحالية والمقبلة في مواجهة خلايا المقاومة.
ولوحظ، في الأيام الماضية، وجود هذه الأجهزة في مواقع الاشتباك، مثل نابلس وطمون وقباطية وطوباس والفارعة، وقيامها بتفكيك وتفجير عبوات ناسفة، فيما وقع اشتباك مسلّح عنيف مع المقاومين في مخيم جنين بعد ساعات من انتهاء العملية العسكرية في المدينة.
وفي هذا السياق، كشفت «القناة الـ12» عن خطة تعمل "سلطة رام الله" على تنفيذها، بهدف السيطرة على شمال الضفة، بما في ذلك مخيم جنين، لافتة إلى أن رئيس السلطة، محمود عباس، وقوات الأمن التابعة له، يحاولون الحصول على موطئ قدم لهم هناك، بهدف التحرّك ضد انتشار ظاهرة المقاومة المسلحة، على أن ينتشر 400 عنصر من قوات الحرس الرئاسي في مخيم جنين، وذلك في محاولة للسيطرة عليه، بالإضافة إلى العشرات من عناصر "الشرطة الفلسطينية"، في حين أشارت مصادر "إسرائيلية" إلى وجود اتفاق بين سلطة الاحتلال وسلطة رام الله، يقضي بمشاركة الأخيرة في مكافحة نشاطات المقاومة.
وذكرت «القناة الـ12» العبرية أن "قوات الأمن الفلسطينية" قامت، خلال الأيام الماضية، بحملة تستهدف العبوات الناسفة التي تصنّعها فصائل المقاومة في الضفة، وأبطلت عشرات العبوات المعدّة للتفجير، مشيرة إلى أنه تمّ تدمير 15 عبوة جاهزة للتفجير في مدينة جنين فقط، في حين حذّرت "كتائب شهداء الأقصى" و"كتيبة مخيم الفارعة" في طوباس، الأجهزة الأمنية الفلسطينية من استمرار تفكيك عبواتها الناسفة، لأنها تعمل «بنظام التفجير اللاسلكي، وهذا يعرّض حياة الذين يفكّكون عبواتنا للخطر. وحفاظاً على الأرواح، نحذّر من المساس بعبواتنا ونخلي مسؤوليتنا عن أيّ ضرر ناتج عنها أثناء محاولة السلطة تفكيكها».