متجاهلان خلافاتهما معها، التجأ كل من رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه يوآف غالانت، إلى أحد خصومهما في الداخل "الإسرائيلي"، أي النائبة العامة، غالي بهاراف ميارا، عبر الإيعاز إلى وزير العدل، ياريف ليفين، بالطلب منها فتح تحقيق جنائي معهما، حول الحرب في قطاع غزة.
وبطبيعة الحال، ليس الهدف من طلب نتنياهو وغالانت «إحلال العدالة» والامتثال للقوانين، بل هما يسعيان، طبقاً لتقرير أوردته «القناة 12» العبرية قبل أيام، إلى جعل ميارا تفتح التحقيق ثم تغلقه، بهدف تقديم تقرير إلى «المحكمة الجنائية الدولية»، يفيد بأنه تم التحقيق في التهم الموجهة إليهما، على خلفية المجازر المرتكبة في القطاع، وتجنيب نفسيهما أي محاكمة فعلية داخل المحكمة.
وفي ما يتعلق بالتوقيت، فقد تقدم نتنياهو بطلبه هذا بعدما أعاد رئيس «الجنائية الدولية»، كريم خان، الإثنين، إحياء قضية إصدار مذكرات التوقيف الأربع، بحق كل من نتنياهو وغالانت من جهة، ورئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، يحيى السنوار، وقائد الجناح العسكري للحركة، محمد الضيف، علماً أنّه تمّ إسقاط مذكرة خامسة، كانت تستهدف الشهيد إسماعيل هنية.
والمفارقة المثيرة للسخرية، أنه وفيما تستمر المجازر والانتهاكات "الإسرائيلية" على قدم وساق في غزة والضفة الغربية المحتلة، أصدر مكتب نتنياهو، الثلاثاء، بياناً شجب فيه ما قال إنها «مقارنة» بين المسؤولين "الإسرائيليين" والسنوار وسائر مسؤولي «حماس»، واضعاً تلك المقارنة في خانة "معاداة السامية ووصمة العار الأخلاقية".
وتزامناً مع ذلك، جددت "إسرائيل"، طبقاً لمصادر "إسرائيلية"، جهودها الديبلوماسية لمنع إصدار الأوامر، والتي ستفرض على أكثر من 120 دولة، بما فيها جميع حلفاء "إسرائيل" الأوروبيين، اعتقال نتنياهو وغالانت في حال دخولهما أراضيها، وتسليمهما إلى «المحكمة الجنائية الدولية؛ لمحاكمتهما.
وفي حديث إلى شبكة «بي بي سي» البريطانية، الأسبوع الماضي، قال خان «إن عدداً من زعماء العالم» حذروه من إصدار طلبات توقيف للقادة "الإسرائيليين". وبالفعل، بعد تقديم خان مذكرة التوقيف لأول مرة، في أيار الماضي، تقدمت نحو 53 دولة و7 منظمات حقوقية وهيئات بطعون.
وكانت تلك الطعون سبباً مباشراً، طبقاً لمراقبين، في تأخر تعاطي القضاة مع طلب المدعي العام إصدار المذكرات، فيما أيد عدد من الدول، في المقابل، طلب خان، ومن بينها تشيلي التي أعلنت «محكمة العدل الدولية»، أمس، أنها «قدمت طلباً بالتدخل في قضية جنوب إفريقيا المرفوعة ضدّ "إسرائيل"، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة».
وفي إطار الجهود الديبلوماسية «الضخمة» على الساحة الدولية، والتي تهدف إلى الضغط على حلفائها الأوروبيين لمساندتها، تركز "إسرائيل" على «التأثير المزعزع للاستقرار» لمذكرات التوقيف، زاعمةً أنّ الأخيرة ستؤثر سلباً على المحادثات المتعثرة التي تتوسط فيها الولايات المتحدة ومصر وقطر لتأمين وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
عواقب الحكم
وفيما من المفترض أن تَصدر نتائج مداولات المحكمة بخصوص مذكرات التوقيف خلال أيام، ورغم أنه من غير المحتمل، إلى حدّ كبير، أن تؤدي المذكرات إلى اعتقال نتنياهو أو غالانت نظراً إلى أن "إسرائيل" لن تسلمهما، ببساطة، إلى المحكمة - والأمر نفسه ينسحب على السنوار والضيف -، يبدو أنه ستكون لتلك الأوامر «عواقب وخيمة»، خاصة بالنسبة إلى "إسرائيل"، وفقاً لموقع «ذا كونفرسيشن» الأسترالي.
إذ من المتوقع أن يتجنب القادة "الإسرائيليون" السفر إلى أي من الدول الأعضاء في «المحكمة الجنائية الدولية»، باعتبار أن تلك الدول ملزمة باعتقالهم عند الدخول إليها، بينما من غير المرشح أن تعاني الخارجية الفلسطينية من مثل تلك المشكلة، نظراً إلى أن أعضاءها ليسوا من "حماس".
بالإضافة إلى ما تقدّم، وفي حال قررت «الجنائية الدولية» أن قادة "إسرائيل" مسؤولون عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فمن المحتمل أن يزيد ذلك من عزلة "إسرائيل" السياسية والعقوبات المفروضة عليها. كما ستكون للقرار تبعات اقتصادية، إذ قد ينسحب بعض المستثمرين والصناديق من الكيان المحتل.
ويتابع الموقع أن المحكمة المعنية قد تتعرض، بدورها، لبعض التبعات السلبية في حال مضيها قدماً في القرار، لا سيما أن مجلس النواب الأميركي كان قد أقر، في حزيران، تشريعاً لمعاقبة المحكمة ومسؤوليها بسبب إصدارهم أوامر اعتقال ضد المسؤولين "الإسرائيليين".
وبحسب أصحاب هذا الرأي، ورغم أن «مجلس الشيوخ» الأميركي لن يسمح بتمرير هكذا مشروع وتحويله إلى قانون، إلا أنه، ومع اقتراب الانتخابات الأميركية، قد يغير وصول إدارة جمهورية إلى الحكم الموازين، وهو ما «لا يبشر بالخير» بالنسبة إلى خان وسائر مسؤولي المحكمة.