لم تتوقع النازحة أم إياد كحيل (60 عامًا) أن المكان العاشر الذي نزحت إليه جراء استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، سيتحول إلى كابوس مع اقتراب موسم فصل الشتاء وتداعياته من أمطار غزيرة تُسبب سيول جارفة من جهة والخوف من فتح الاحتلال الإسرائيلي لعبارات الصرف الصحي من جهة أخرى صوب الأراضي الزراعية الشرقية لمدينة دير البلح التي تصب في مجرى وادي السلقا.
وجاءت تخوفات "أم إياد" عقب إصدار بلدية دير البلح في لجنة الطوارئ بيانًا حذرت خلاله النازحين في وادي السلقا من أن فصل الشتاء القادم، والمتوقع أن يبدأ خلال الشهرين المقبلين، قد يتسبّب في جريان سيول في وادي السلقا، الذي يمرّ وسط الأحياء السكنية وخيام النازحين من شرق البلدة وحتى غربها، وأشار البيان إلى أن الوادي يعدّ من المناطق الحمراء في دير البلح خلال فصل الشتاء، والتواجد فيه قد يشكّل خطراً على سلامة السكان والنازحين.
وتنقلت "أم إياد" داخل مدينة غزة أكثر من مرة ثم إلى مخيم النصيرات واستقرت في رفح قبل أن تنتقل مرات عدة في خانيونس، وأخيرًا قادتها أقدامها للسكن في منطقة وادي السلقا؛ قبل أن تتفاجأ بتحذيرات بلدية دير البلح قائلة: "لقد تفاجأت من التحذير" تحاول مسح دموعها قبل أن تردد: "وين بدنا نروح؟!، الأراضي ممتلئة بالنازحين".
وتتعرض منطقة وادي السلقا كل عام، لارتفاع منسوب المياه بنحو متر ونصف متر إلى مترين، وهو ما جرى تحذير النازحين منه منذ بداية وصولهم، ولكن الجميع كان يعتقد بأن الحرب ستنتهي قبل موسم الشتاء، الأمر الذي لم يحدث بعد.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
وبينت أن وادي السلقا أحد المناطق الآمنة كما يدعي الاحتلال، وقد دفعنا جيش الاحتلال إليها بالقوة عندما اجتاح مدينة حمد السكنية في خانيونس، مشيرة إلى أن الكثير من سكان المنطقة حذرونا منذ وصولنا من خطورة المنطقة في فصل الشتاء؛ لكن لم نتوقع أن تستمر الحرب حتى فصل الشتاء.
وفي السياق ذاته يقف المسن عبدالله النعيزي على باب خيمته محاولًا استيعاب تحذير بلدية دير البلح، قائلاً، لـ"شمس نيوز": "نزحتُ من شمال غزة إلى رفح وخانيونس، ثم أبراج حمد، ثم قسراً إلى دير البلح، وتفاجأتُ بتحذير البلدية، ما أصابني بحالة من الإحباط واليأس"، مردّداً السؤال نفسه: "وين بدنا نروح؟".
وضرب النعيزي كفًا بكف وهو يقول: "نصبت خيمتي في وادي السلقا منذ نحو 4 أشهر، لعدم وجود بدائل أو مناطق فارغة أخرى لكثرة النازحين في دير البلح لأنها ممتلئة بالنازحين.
ولفت النعيزي الانتباه إلى أن الناس أُرهقوا من عمليات النزوح المتكررة، فيما جاء تحذير بلدية دير البلح ليزيد الطين بلة، إذ لا توجد أموال بأيدي الناس لينزحوا للمرة العاشرة"، مستذكراً أن "نزوحه من مدينة حمد في خانيونس إلى وادي السلقا كلفه نحو 500 شيكل".
ويُعتبر وادي السلقا من النقاط الساخنة التي كانت بلدية دير البلح تتعامل معها في السنوات السابقة، بسبب ما تشكله المياه وتدفقها وارتفاع منسوبها من أخطار على حياة الناس»، وفقاً للمهندس حازم الفليت، مدير دائرة المياه والصرف الصحي في لجنة طوارئ بلدية دير البلح.
ويبيّن الفليت في حديثه لـ"مراسل شمس نيوز" أن «وادي السلقا يمرّ بالمناطق الشرقية من دير البلح بطول حوالى 4 كيلومترات». ويشير إلى أن «البلدية استخدمت في السنوات السابقة، سواتر ترابية على جانبي الوادي، وعملت على تعميق مجراه عبر آليات ثقيلة»، منبهاً إلى «عدم توافر هذه الآليات حالياً بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 11 شهراً".
وناشد الفليت «الجهات والمؤسسات العالمية الإسراع في نقل النازحين من المنطقة حفاظاً على أرواحهم، وإدخال الآليات الثقيلة اللازمة للترميم والتنظيف، حتى لا تتدفق المياه على الجانبين وتشكل خطراً على حياة الآلاف من النازحين».
وتحول وادي السلقا، وفقاً لما تقوله النازحة يسرا عفانة، إلى مكب لنفايات النازحين على مدار أشهر عدة من الحرب، ما يُسبب إغلاقاً في مجرى الوادي، سيكون من شأنه مفاقمة أزمة طوفانه في مدة الشتاء القاسية.
وتشير عفانة في حديثها لمراسل "شمس نيوز"، إلى أن سكان الوادي أكدوا له أن بلدية دير البلح تقوم كلّ عام بتعميق مجرى الوادي وتنظيفه من القمامة المتكدسة، ولكن العام الحالي، ثمة صعوبة في القيام بذلك، الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية".
وناشدت بلدية دير البلح والجهات المختصة «العمل الجاد وبسرعة» لإيجاد حلول لهذه المعضلة، «في ظل عدم توافر أماكن تؤوي النازحين في المناطق الآمنة"، محذراً، في حال بقاء الوضع على ما هو عليه، من احتمال "استشهاد عشرات النازحين غرقاً".