قائمة الموقع

خبر لماذا لم يعد حزب الله حزبا مقاوما؟

2015-05-21T12:25:12+03:00

ما يجري من صراع سياسي، ومسلح أحيانًا، بين حزب الله وإسرائيل، ليس مسرحية أو تمثيلية مدبرة كما يعتقد البعض، أو كما يرغب أن يفسر البعض؛ بل هو صراع حقيقي وملموس، اندلعت بسببه عدة حروب، سقطت فيها الدماء بين الطرفين، وما زالت. ولا يعكّر هذه الحقيقة ما يُحكى وينقل عن تفاهمات بين الحزب وبعض الأطراف الإسرائيلية؛ فالدول عادةً -ويدخل في ذلك الكيانات والتنظيمات- المتحاربة قديمًا وحديثًا تُجري اتصالات وتعقد تفاهمات مباشرة وغير مباشرة مع أعدائها، حتى أثناء الحرب، وقد يتم من خلالها وضع قواعد للاشتباك يلتزم بها الطرفان أثناء الصراع، كما يجري عبر تلك الاتصالات إجراء المفاوضات والمساومات لتحقيق أكبر مكاسب سياسية لكل طرف جراء الحرب؛ فالحديث عن وجود مثل هذه الاتصالات والتفاهمات ليس مبررًا كافيًا في التشكيك بحقيقة هذا الصراع، أو في نزع صفة المقاومة عن الحزب.

كما أن البنية الطائفية لحزب الله، بالرغم من كونها إشكالية سياسية عميقة ولها آثارها الخطيرة؛ إلا أنها أيضًا لا تمثل مانعًا من الوقوف والاصطفاف خلف الحزب ودعم عملياته القتالية ضد العدو الإسرائيلي، وأي تنظيم مسلح -سواء كان قائمًا على أساس ديني أو علماني- وينتمي للأمة، ويحمل على عاتقه قضاياها المصيرية المشتركة، ويناضل ويقاتل عدوها الأجنبي بهدف تحريرها وإعادة حقوقها المسلوبة؛ فالواجب هو التضامن معه ومناصرته ودعمه، حتى وإن كانت تركيبته طائفية أو عشائرية. فطائفيته تبقى مشكلة داخلية يتم معالجتها ومواجهتها ضمن إطار الأمة الواحدة. ولأن المعركة حينها، معركة أمة؛ فيفترض أن تتوحد كل مكونات الأمة في تلك المعركة وتتناسى خلافاتها ومشاكلها الداخلية أثناء مواجهة عدوها الأجنبي المشترك. حتى وإن كان قد حصل بين تلك المكونات احتراب طائفي وأهلي، وسقطت بينهم الدماء، فإن المفترض -أثناء مواجهة عدوهم المشترك- التغافل والتناسي لذلك الاحتراب الداخلي، أو تأجيل حسمه على الأقل. وهذا معنى عميق لا يمكن إدراكه ولا يتجلى إلا عندما يستيقظ الشعور بالمصير المشترك والهوية الثقافية المتخيلة الجامعة لدى عموم مكونات الأمة الواحدة.

فالمقصود، أن طائفية الحزب لا تكفي لنزع صفة (المقاوم) عنه، ولا ينبغي أن تكون!

– 2 –

بل سأذهب إلى أبعد من ذلك، وهو كون حزب الله حليفًا لإيران، كدولة لها مطامعها ومشروعها السياسي الذي يسعى للهيمنة على المنطقة، لا يكفي أيضًا أن يكون مانعًا للتضامن والاصطفاف خلف الحزب في معركته ضد إسرائيل؛ فالتحالف مع الآخرين الذين يقفون معنا ويدعموننا في معاركنا التحريرية، هو في حدّ ذاته ليس خيانة ولا عمالة (لاحظ تعبيري هنا “التحالف في معاركنا التحريرية” تحديدًا، وليس التحالف المطلق وفي كل القضايا، وكثيرون لا يفرقون بين المعنيين، ومنهم جمهور حزب الله)، حتى وإن كانت تلك الدول لها مصالحها وأهدافها من وراء ذلك التحالف والدعم الذي يقدمونه، فلا يكفي في وصف ذلك التحالف بـ (العمالة) أو (الخيانة)؛ لأن غاية ما في الأمر أن مصلحة تلك الدول تقاطعت مع مصلحتنا في مواجهة عدونا، وتقاطع المصالح مع الآخرين مكسب سياسي لطالما يبحث عنه الحكماء السياسيون لتحقيق أهدافهم المشروعة؛ ولهذا كان موقف حماس والجهاد الإسلامي وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية في علاقتهم مع إيران، خصوصًا حين انقطع عنهم الدعم والمساندة من الأنظمة العربية، بل قامت بمحاصرتها ومحاربتها (سياسيًا وماليًا وعسكريًا).

لكن، هذا التحالف (المشروع) الذي نتحدث عنه، يجب أن يكون محكومًا بشرط أساسي (ونكتبه بلون أحمر)، وهو ألا تتحول تلك التنظيمات عبر ذلك التحالف إلى أدوات احتلال خادمة ومطيعة لتلك الدولة الداعمة على حساب مصالح الأمة؛ بعبارة أخرى: ألا تتحول تلك التنظيمات إلى أذرعة عسكرية لتحقيق المصالح السياسية لتلك الدولة الداعمة على حساب أوطانها وأمتها العربية؛ وبصياغة ثالثة: ألا ينتهي الحال بتلك التنظيمات المسلحة إلى أن تكون ميليشيا تقاتل داخل أوطانها بالنيابة عن تلك الدولة الداعمة لأجل المحافظة على مصالحها؛ هنا يتحول التحالف المشروع في (إطار معركتنا التحريرية) إلى تبيعة وخضوع لتلك الدولة الداعمة في (إطار تحقيق مصالحها السياسية)، بحيث تفقد تلك التنظيمات استقلالية قرارها؛ بل قد تصبح قراراتها صادرة من تلك الدولة الداعمة والحليفة؛ وحينها لا نصبح أمام حزب أو تنظيم مقاوم له حلفاؤه وأصدقاؤه في العالم، بل نحن أمام ميليشيا تابعة لدولة أجنبية تعمل تحت أجندتها كأداة عسكرية!

هذه -وبدون مبالغة- طبيعة العلاقة بين حزب الله وإيران، ليست علاقة تحالف لأجل مشروع المقاومة؛ لأن وصف المقاومة لم يعد منطبقًا على الحزب ومشروعه؛ فالمقاومة فعل سياسي وعسكري يسعى لتحرير الأوطان من الاحتلال الأجنبي، أيًا كانت جنسية ذلك الاحتلال. مشروع حزب الله السياسي والعسكري، مشروع احتلال وهيمنة أجنبية إيرانية ضد مشروع احتلال وهيمنة أجنبية صهيونية!

نعم هناك صراع بين حزب الله وإسرائيل، وصراع مسلح وحقيقي كما أسلفت، ولكنه صراع في إطار التنافس بين مشروعين يسعيان للهيمنة على المنطقة: مشروع الإمبراطورية الفارسية، ومشروع الدولة العبرية الصهيونية، وحزب الله أحد وأهم الأذرعة العسكرية في المشروع الإيراني، لا يمكن للمتابع الآن أن يجد فرقًا جوهريًا بين حزب الله وبين الحرس الثوري الإيراني، أو فيلق القدس.

هل كان الحزب كذلك منذ نشأته أم إنه انحرف فيما بعد، مع استقالة أمينه الأول (صبحي الطفيلي) ثم وصول أمينه الحالي حسن نصر الله؟ ثم السيطرة التدريجية لجناح (ولاية الفقيه) على بقية الأجنحة الأخرى داخل الحزب، كالمنشقين عن حركة أمل وأتباع خط موسى الصدر، وجناح ما يعرف بأبناء المساجد من أتباع دعوة محمد حسين فضل الله ومحمد مهدي شمس الدين، وجناح الشيعة اللبنانيين ذي الانتماءات اليسارية أو العلمانية الوطنية. بعبارة أخرى: هل كان هناك مسافة بين الحزب في بدايته وبين حليفه الإيراني والذي ساهم في تأسيسيه، بحيث تسمح للحزب أن يتخذ قراراته السياسية الوطنية بصورة مستقلة بعيدًا عن هيمنة وإملاءات قيادة الثورة الإيرانية؟ أم إن نظرية (ولاية الفقيه) كانت حاضرة بالفعل ومهيمنة منذ ولادة وتشكّل بدايات الحزب؟ نترك هذه المسألة للبحث التاريخي.

المهم أن الحزب الآن -وبصرف النظر عن ملابسات تأسيسه- لم يعد حزبًا مقاومًا وفق التعريق السياسي للمقاومة، إذا اعتبرنا المقاومة: (التحرّر من الهيمنة الأجنبية)؛ فحزب الله يواجه الهيمنة الإسرائيلية فعلًا، لكن لمصلحة الهيمنة الأجنبية الإيرانية لا لتحرير الأراضي العربية!

– 3 –

سنة 2009 كنتُ سائحًا في بيروت، وخرجت منها لزيارة الجنوب اللبناني (المحرّر)، ولكنني أثناء دخولي للجنوب، شعرت وكأني قد خرجت من الأراضي اللبنانية ودخلت الأراضي الإيرانية، لا أقول هذا مجازًا؛ بل على الحقيقة، كانت هناك إجراءات تفتيش للجوازات وفحص عن الهويات عند الدخول تحت إشراف حزب الله، وكأننا أمام معبر حدودي يفصل بين دولتين، فضلًا عن المظاهر والرموز المميزة للجنوب اللبناني والتي قد جعلته مختلفًا عن بقية القطاعات اللبنانية؛ كالأعلام الإيرانية وصور المرشد الأعلى للثورة الإيرانية المنتشرة في عرض الجنوب اللبناني، إضافة إلى التواجد الكثيف للمؤسسات الإيرانية، والعبارات الفارسية، حتى العبارات العربية كانت تكتب وفق الرسم الفارسي، ونحو ذلك من الرموز التي لا تخلو من الأبعاد السياسية؛ هنا لا يمكن أن نتحدث عن حزب لبناني عربي بينه وبين الجمهورية الإيرانية تعاون وتحالف بهدف مقاومة العدو الإسرائيلي! نحن هنا أمام حزب وتنظيم إيراني، بالمعنى السياسي لهذا الوصف! حتى ولو كان أعضاؤه لبنانيين عربًا، فهذا لا يغير من حقيقة الحزب كمؤسسة سياسية.

حين اندلعت الثورة السورية، لم يكن الكثيرون -وأنا أحدهم- ينتظرون من الحزب، دعمًا للثورة السورية ضد حليفه بشار، كنا نعتبر أن الحياد أو الصمت موقفٌ معقول كأدنى حد؛ فحلفاء وأصدقاء بشار قد التزموا الحياد والصمت في أول الأمر، وبعضهم حاول نصيحته ومساعدته كي لا تنفرط الأوضاع وتنزلق الأحداث إلى نقطة اللاعودة!

كان بإمكان الحزب أن يلتزم هذا الموقف المحايد لو كان يملك قراره، مع أن الحياد والصمت أمام جرائم النظام في انتهاكه لحرمة الدم بشكل مفرط وواسع وسافر، هو سقوط أخلاقي لا يمكن تجاوزه، ولكن تحت ظروف (الواقعية السياسية) النكدة! كنا سنتفهم ذلك الصمت وذلك الحياد لو اتخذه حزب الله، مثله مثل حركة الجهاد الإسلامي، ومكتبها السياسي ما زال قائمًا في دمشق، ولم تتورط في الاقتتال في صف النظام ضد كتائب الثورة. لكن حزب الله، طبيعته مختلفة، وعلاقته بإيران علاقة عضوية جوهرية ليست علاقة تحالف وتعاون كعلاقة حماس والجهاد؛ حزب الله لا يملك هامشًا من الاستقلالية كي يكون محايدًا أو صامتًا أمام الثورة السورية، هو تنظيم تابع لإرادة ولي الفقيه، ويتلقى منه التوجيهات والأوامر، وهذا الأمر ليس تحليلًا أو كشفًا لوثائق سرية للويكيليكس؛ بل الأمين العام للحزب في أحد دروسه، نص بوضوح على طبيعة علاقة الحزب بالجمهورية الإيرانية، أنها ليست مجرد تحالف وتعاون مشترك كما يظن البعض، وإنما هي ارتباط عضوي وجوهري؛ مثل الحزب مثل أي جهاز عسكري تابع للدولة الإيرانية.

يقول في درس قديم له، عن علاقة حزب الله بالجمهورية الإسلامية، بقيادة الثورة الإسلامية في إيران: “هذه العلاقة أيها الإخوة بالنسبة لنا: أنا أحد هؤلاء الناس الذين يعملون في مسيرة حزب الله، وفي أجهزته العاملة، لا أبقى لحظة واحدة في أجهزته، لو لم يكن لدي يقين وقطع، في أن هذه الأجهزة تتصل عبر مراقبٍ إلى الولي الفقيه القائد المبرئ للذمة الملزم قراره”، (لاحظ هنا كلمة: الملزم قراره)، ثم يقول: “بالنسبة لنا هذا أمر مقطوع ومطمئن به، التصريحات الدبلوماسية والسياسية، ليست هي الأساس في هذا المجال، يعني ليس طبيعيًا أن يقف آية الله ويقول: نعم حزب الله جماعتنا في لبنان! سياسيًا هذا ليس صحيحًا، إعلاميًا ليس صحيحًا، على مستوى العلاقة الجوهرية والعضوية مع قيادة الثورة الإسلامية في إيران وولاية الفقيه، بالنسبة لنا هذا أمر مقطوع به، وهذه المسيرة إنما ننتمي إليها، ونضحي فيها، ونعرّض أنفسنا للخطر؛ لأننا واثقون ومطمئنون، بأن هذا الدم يجري في مجرة ولاية الفقيه“.

والحزب نفسه في بيان صادر له في 16 فبراير/ شباط 1985، نصّ على أنه: “ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة“.

ولهذا؛ ليس سرًّا حين يكشف السيد حسن نصر الله عن هذه الحقيقة في أحد خطاباته المشهورة، وبشكل واضح لا لبس فيه، وفي سياق الافتخار والامتنان، عندما قال بالحرف: “… وَيتصورون (أي خصومه) عندما يقولون عنا: حزب ولاية الفقيه، أنهم يهينوننا! أبدًا، أنا اليوم أعلن، وليس جديدًا: أنا أفتخر أن أكون فردًا في حزب ولاية الفقيه“.

– 4 –

لم يكن انخراط الحزب في محاربة الثورة السورية، لأجل حماية المراقد المقدسة كما يزعم الحزب وجمهوره؛ فالحزب صار يخوض حربًا مفتوحة في كل الأراضي السورية تقريبًا، ولم يكتفِ بحماية مرقد السيدة زينب، وكان بإمكانه (لو كان قد نأى بنفسه عن هذه الحرب) أن يجري اتصالات وتفاهمات مع كتائب الثورة لحماية المراقد، أو يسمحوا له بالدخول لحماية تلك المناطق المقدسة لدى الشيعة، كما حصل للمرقد العثماني، لكن هذا المبرر لم يصمد مع تطور الأحداث؛ حيث تجاوزه نصر الله في خطاباته اللاحقة، وأصبح يستمد مبرراته فيما بعد من السردية الأمريكية في محاربة التكفيريين والإرهاب، أصبح الحزب يتماهى مع السردية التي كان يعلن سابقًا مقاومتها، أو بالأصح يستمد شرعيته من مقاومتها. ومهما حاول جمهوره في إيجاد خط فاصل، ولو رفيع، بين مفهوم محاربة الإرهاب في السردية الأمريكية، ومفهوم محاربة الإرهاب في سردية حزب الله؛ إلا أن توغل الحزب في دماء السوريين واتساع رقعة مواجهاته تمحي ما تبقى من أثر لهذا الخط الرفيع.

كذلك دعوى حماية الحزب لخطوط إمداداته العسكرية، فبالرغم من كونها مجرد عنوان تبريري لا تفسر السبب الحقيقي لانخراط الحزب في القتال؛ إلا أنها أيضًا لا تصلح كسبب ينفي عن الحزب صفة (العمالة) للمشروع الإيراني في المنطقة؛ فكون الحزب ميليشيا مسلحة تلعب دورًا عسكريًا مباشرًا في دعم السياسة الإيرانية في الهيمنة على المنطقة العربية؛ فمسألة حماية خطوط إمداده ستكون مسألة مفهومة وطبيعية! كل الميليشيات والكتائب والجيوش تحمي خطوط إمدادها، وهذا لا يزكي حربها ولا يجعل منها حربًا عادلة أو محقة أو حتى مبررة؛ النقاش ليس هنا، إنما النقاش حول الهدف والغاية الأساسية من وراء حماية هذه الخطوط؟ ما هو المشروع السياسي الكبير الذي يقف وراء هذا الإمداد العسكري؟ هل لأجل المقاومة لذاتها؟ أم لأجل تنفيذ الأجندة الإيرانية في تحقيق الهيمنة والنفوذ على المنطقة؟ وإلا فالحزب لابد له من حماية خطوط إمداده كونه أداة من الأدوات العسكرية التابعة لولي الفقيه.

لقد أفصح أمين حزب الله في خطاب الشهير سنة 2013 عن السبب الحقيقي وراء محاربة الثورة السورية، بقوله: “عندما نأخذ أي قرار، أو نمشي في أي درب، أو ننزل في أي ساحة، أو إلى أي ميدان، أو إلى أي قتال؛ فنحن لا نلجأ إلى عقولنا، ولا إلى علومنا، ولا إلى مستوانا العلمي، نحن نلجأ إلى فقهائنا، وكبرائنا، ومراجعنا، هذا كان التزامنا بالإمام، وهذا التزامنا بعد الإمام، رضوان الله تعالى عليه، بسماحة الإمام القائد آية الله العظمى، السيد علي الحسين الخامنئي“.

هذه المرجعية الدينية التي يصفها السيد نصر الله بـ (الملزم قرارها) ويصف صاحبها بـ (القائد الأعلى)، ليست مجرد مرجعية فقهية كما يتوهم البعض؛ إنما نحن أمام مرجعية سياسية متعدية، يصدر عنها قرارات سياسية تخترق سيادات الدول الحديثة، بالمفهوم السياسي للسيادة، هذه إشكالية نظرية (ولاية الفقيه) الشيعية التي يحاول كثير من أتباعها أن يخففوا من معناها الثيوقراطي الكثيف (سلطة تستمد شرعيتها من الله)، إنها ليست مجرد مرجعية للفتوى المرتبطة بالشؤون الشخصية للمسلم الشيعي، كما هو الحال في علاقة المسلم السني بالفقيه؛ بل هي في مرتبة أعلى وأرفع من ذلك، هي تفرض انتماءً سياسيًا على المسلم الشيعي بلباس ديني يتجاوز الانتماءات الوطنية الإقليمية!

الباحث والمتابع للأحداث، لم يكن في انتظار هذه التصريحات من السيد حسن نصر الله، كي يكتشف طبيعة العلاقة بين الحزب والثورة الإيرانية؛ فالمعطيات والأحداث التي جرت فيما قبل الثورة السورية، وأبرزها الاقتحام العسكري لبيروت سنة 2008، كانت تؤكد وتكشف باستمرار الطبيعة العضوية والجوهرية لهذه العلاقة.

– 5 –

أعيد وأكرر: ليست مشكلة حزب الله في تركيبته وأساسه الطائفي فحسب، كما يحلو أن يؤسس السلفيون أو بعض الإسلاميين مواقفهم؛ فالجماعات الدينية المتعصبة لطوائفها قد ننسى أو نؤجل خلافنا معها حين تكون في مواجهة مصيرية ضد عدونا الأجنبي المشترك، حتى ولو تورطت تلك الجماعات في حروب طائفية وسالت بينها الدماء، فطوائف الأمة وجماعاتها الأهلية ما زالت عبر تاريخها تنزلق أقدامها في الفتنة وتتورط في الاقتتال الطائفي، ولم يكن ذلك -في كثير من الأحيان- مانعًا من تجاوز تلك الفتنة وذلك الاحتراب الداخلي عندما تصبح بلادهم مهددة من قبل عدو أجنبي.

لم تعد هذه حالة حزب الله؛ لو كانت كذلك، لصحّ ما يدعيه البعض، بأننا نختلف مع الحزب في سوريا ونتفق معه في مقاومة إسرائيل!

لا، الأمر لم يعد كذلك؛ الحزب أساسًا يندرج ضمن إطار مشروع سياسي إيراني في المنطقة، يتأسس على مبدأ (طاعة ولي الفقيه)؛ وبالتالي هو ليس مشروعًا مقاومًا كي نقول بأننا نختلف معه في حربه هنا، ونقف معه في حربه هناك؛ كلا الحربين اللتين يخوضها الحزب: هي حرب هيمنة ونفوذ، لا حرب تحرير؛ ولهذا أصبح الحزب في نظر الكثيرين مشروع احتلال أجنبي في مواجهة احتلال أجنبي آخر؛ فحين يُقال: نتفق معه في مقاومة إسرائيل، فكأننا نقول: نتفق معه في هيمنة المشروع الإيراني ونفوذه على الأراضي العربية بعد أن ينتزعها من الاحتلال الإسرائيلي!

وقد توصل إلى هذه الحقيقة نخبة من رموز اليسار والعلمانيين العرب، والذين لا يمكن أن يحددوا مواقفهم على أساس طائفي؛ كعزمي بشارة، وبرهان غليون، وميشيل كيلو، وكذلك المفكر الماركسي سلامة كيلة، عندما قال: “حزب الله لم يعد مطروحًا كحزب مقاومة، وإنما أصبح هنالك تشكيك حتى بذلك، وخصوصًا أن إسرائيل باتت تقصف مواقع له دون أن يرد، وأيضًا هو يشارك في القتال إلى جانب النظام السوري والدولة الصهيونية تقصف مواقع للنظام، عدة مرات ولا يرد الأخير أو حزب الله عليها. من هذا المنظور أصبح هنالك شك واضح في أجندة وأولويات حزب الله، خصوصًا بعد أن تبين بشكل جلي أنه يلعب دورًا مباشرًا في السياسة الإيرانية في الهيمنة على المنطقة العربية، وأصبح الطابع الطائفي واضحًا في سياسة الحزب وتوجهه، كل هذه العوامل مجتمعة أدت لتراجع شعبية حزب الله وتراجع في بيئته الحاضنة حتى في لبنان، وأنهى أسطورته القديمة وحوّله إلى ميليشيا طائفية مثله مثل بقية الميليشيات الأخرى”.

– 6 –

كان بإمكان حزب الله أن يكون كيانًا مستقلًا مقاومًا ولو على أساس ديني وفق المذهب الإمامي الجعفري، بشرط أن يكون انتماؤه للأمة، وضمن الأمة، ولأجل هذه الأمة. كان بإمكان حزب الله أن يجعل بينه وبين أجندة الثورة الإيرانية مسافة تسمح له بالاستقلال في قراراته وفي تحديد مواقفه، كي يبقى حزبًا لبنانيًا عربيًا في نهاية المطاف، مع الاحتفاظ بعلاقاته مع حليفه الإيراني إذا أراد. كانت انتصارات حزب الله في سنة 2000 ثم 2006 فرصة مواتية للحزب -وقد أصبح منتصرًا وفي موقع القوة ويملك الرصيد الشعبي الواسع لدى أبناء الأمة- أن يتحرر أو يتخفف على الأقل من الهيمنة الإيرانية ويتصرف كحزب إسلامي عربي ينتمي لهذه الأمة، وليس مجرد أداة من أدوات ولي الفقيه. كان بإمكان السيد حسن نصر الله لو كان يملك قدرًا كافيًا من الشجاعة والاستقلالية، أن يقف موقفًا شبيهًا بالذي اتخذته الحركة الإسلامية حماس، ليس في دعم مطالب الثورة السورية المحقة كما أعلنته حماس، لا؛ فهذا كثير على حزب الله، وإنما فقط في النأي بالنفس، وعدم الانخراط في القتال، مع محاولة الاحتفاظ بعلاقاته مع حليفه الإيراني إذا كان هذا الحليف معنيًا بالفعل بدعم المقاومة؛ هكذا فعلت حماس، وطالما كان يؤكد خالد مشعل في أكثر من لقاء له، بأن الحركة لا تريد قطع علاقتها مع إيران؛ بل تتمنى عودة هذه العلاقة واستمرار التحالف لأجل دعم المقاومة الفلسطينية، ولكن الطرف الإيراني هو الذي بادربقطع العلاقة وأوقف الدعم بسبب الاختلاف العميق حول المسألة السورية.

الطرف الإيراني لا يريد حليفًا حرًا مستقلًا في قراراته، وإنما يريد ميليشيا تعمل في إطار مشروع الثورة الإيرانية، وليس في إطار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي فحسب؛ مقاومة الاحتلال ما هي إلا غطاء لإضفاء الشرعية للتمدد الإيراني.

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بالضرورة عن توجهات وسياسات وكالة "شمس نيوز"

اخبار ذات صلة