قائمة الموقع

من وسط النار وتحت الركام.. شهادات مؤلمة لجرحى غزة: "أنقذتُ ما تبقى من أسرتي في اللحظة الأخيرة"

2024-10-06T18:42:00+03:00
شمس نيوز - مطر الزق

يركض أحمد يونس مسرعًا داخل ممرات منزله، والدموع تنهمر من عينيه كالنهر الجارف، محاولًا تجاوز ألسنة النيران التي تلتهم كل شيء في طريقها، كان جسده يرتجف ودقات قلبه تتسارع، لم يفكر بجسده أبدًا، كان يصرخ مناديًا على والدته وشقيقته وزوجته وأطفاله: "يَّما هيني جاي"، كان كالنسر محاولًا إنقاذ فلذات كبده من النيران المستعرة.

وضع أحمد عينيه الدامعتين على الأرض؛ ليمنع نفسه من التراجع أمام ألسنة النيران، وبجسده الهزيل وأقدامه التي تنزف الدماء اخترق كل شيء أمامه، "ألسنة النيران، ركام المنزل، الدخان الأسود"، كل ذلك من أجل أسرته التي باتت تصرخ ألمًا من الحروق التي أصابت أجسادهم الصغيرة، بينما حاول جاهدًا إنقاذ والدته وشقيقته ونجله من تحت الركام.

مشاهد مفزعة وصادمة لأطفال استشهدوا وأصيبوا من ألسنة نيران الصواريخ الإسرائيلية، ومشاهد أخرى بطولية جسدها أحمد يونس أثناء محاولة إنقاذ أسرته التي تعرضت لاستهداف إسرائيلي حاقد في السابع من سبتمبر 2024.

ووفقًا لوزارة الصحة في قطاع غزة فإن نحو (96,359) مواطنًا أصيبوا منذ بداية حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة بينهم (396) جريحاً ومُصاباً من الصحفيين والإعلاميين، فيما ينتظر أكثر من (12 ألفا) من المصابين الحصول على تصريح إسرائيلي بالسفر خارج القطاع.

يروي أحمد تفاصيل المشاهد المروعة لمراسل "شمس نيوز" والتي لم ترو لأحد بعد، كنت في المنزل مع أطفالي "حسام وإيلياء وسلام ويمان" وزوجتي ووالدي وشقيقتي أماني، نعيش حياة سعيدة، وعندما دقت الساعة الرابعة عصر السابع من سبتمبر انقلبت حياتنا رأسًا على عقب.

يستعيد أحمد شريط ذكرياته المؤلمة في تلك اللحظات المؤلمة جدًا، إذ يقول: "كنت في المنزل مع أسرتي وفجأة امتلأ المنزل بالدخان والحجارة، ولم أر إلا ألسنة النيران تلتهم كل شيء في المنزل"، للوهلة الأولى أصيب أحمد بالصدمة والدهشة لما يحدث في منزله.

فورًا انتفض أحمد من مكانه واندفع لإنقاذ أسرته رغم ألسنة النيران، وهنا يقول وهو يتوجع من الألم: "لم أكن في كامل وعي؛ لكن كل ما أعرفه أنني انقذت أطفالي قبل فوات الأوان، وأكثر شخص تعبت في إنقاذه زوجتي وابني الشهيد حسام 9 سنوات".

توقف أحمد برهة من الوقت عن قص حكايته، فيما امتلأت عينيه بالدموع وهو يكمل رواية الألم، "كانت النيران تلتهم جسد والدتي ولم أستطيع انقاذها وكذلك شقيقتي أماني وابني حسام"، يمرر يده اليسرى على كتفه الأيمن محاولًا إخماد لسعة النيران التي أصابته بحروق من الدرجة الثالثة.

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

لم تنتهِ الحكاية بعد، فقد كانت ابنته إيلياء (4 أعوام) تحت ركام المنزل والنيران تلتهم أقدامها، حاول أحمد انقاذها من الموت، بصعوبة بالغة تمكن من حمل طفلته والركض بها وسط النيران الملتهبة حتى وصل خارج أسوار المنزل ليلتقطها المسعفين من بين ذراعيه المحترقة.

تمكن أحمد من إنقاذ أبنائه الثلاثة وزوجته وعلى وجه السرعة تم نقلهم إلى مستشفى العودة ثم إلى مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وسطا قطاع غزة لتلقي العلاج اللازم وما زال أحمد يمكث مع زوجته وأطفاله الثلاثة (سلام وإيلياء ويمان) على أسرة مستشفى شهداء الأقصى وهم مصابون جميعًا بحروق متفاوتة أخطرهم زوجته وطفلته إيلياء.

المأساة الحقيقية لم تتوقف عند الإصابة بحروق قاتلة فقط، فالإصابة لم توقف ألم البعد والشوق والحنين؛ فأحمد وطفلته سلام يمكثان في قسم وزوجته وطفلته إيلياء وطفله يمان في قسم آخر في نفس المستشفى هذا الألم لا يشعر به أحد سوى من تعرض له.

ويوجه أحمد رسالته للعالم أجمع بأن يتم إنقاذه وإنقاذ ما تبقى من أسرته بالسفر خارج قطاع غزة لتلقي العلاج اللازم فطفلته إيلياء التي بُترت ساقها اليمنى، قد تتعرض لفقدان ساقها اليسرى في أي وقت لعدم توفر العلاجات المناسبة.

قصة وحكاية أحمد يونس هي واحدة من بين عشرات الآلاف من القصص المؤلمة التي لم يتم روايتها بعد؛ فمشاهد القصف والدمار والخراب واستشهاد العشرات يوميًا يقلل الاهتمام بهذه الفئة من جرحى حرب الإبادة الجماعية.

وفي زاوية أخرى، تدور عجلة الفتاة أسيل بطيحان في كل الاتجاهات بساحة المستشفى علها تجد طريقًا يخفف آلامها من فقدٍ وألمٍ وحزنٍ، أسيل فقدت قدميها خلال قصف إسرائيلي استهدف خيمة أسرتها التي نُصبت أمام منزلها المدمر في الزوايدة وسط قطاع غزة.

أسيل (20 عامًا) تدرس خدمة اجتماعية وكانت تسعى أن تكون كأي فتاة في العالم صاحبة مشروع وريادية وزوجة؛ لكن الاحتلال الإسرائيلي قتل كل حلمها وباتت تحلم فقط بتركيب طرفين صناعيين، لتخدم نفسها بنفسها.

الحكاية المؤلمة لأسيل بدأت أول مرة في استهداف الاحتلال لمنزل والدها بتاريخ (4-6-2024)، تقول: "دمر الاحتلال كل شيء جميل، المنزل لم يكن عبارة عن كومة من الحجارة بل حياة وعلم ودراسة ولعب وذكريات جميلة وحزينة، وهنا كانت المعاناة تتفاقم".

قرر والد أسيل فور استهداف منزله العودة إلى الركام ونصب خيمة صغيرة تأويه وأسرته أمام البيت المدمر توضح أسيل في حديثها لمراسل "شمس نيوز"، أنه رغم حياتها في خيمة إلا أنها كانت تشتم رائحة الذكريات الجميلة وهي تمر من أمامها داخل البيت المدمر، وتؤكد أن الحياة في خيمة أمام البيت أفضل بكثير من خيمة بعيدة عن المنزل مئات الأمتار.

(40 يومًا فقط) وعاد الاحتلال استهداف خيمة عائلة بطيحان في الزوايدة لتقع الكارثة والمأساة الحقيقية، استشهد والديها وشقيقها الأكبر ولم يبق لها سوى شقيقين أصغر منها، وتروي أسيل لمراسلنا جزء من الواقعة المؤلمة التي حدثت لها.

وتعود أسيل بشريط ذاكرتها للحظة الاستهداف، فعندما أشارت عقارب الساعة إلى الواحدة والنصف ليلًا أقدمت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على إطلاق صاروخ قاتل على خيمة أسيل وأسرتها ليتحول الليل إلى نهار بسبب ألسنة النيران المشتعلة.

وفي اللحظة التي أطلقت فهيا طائرات الاحتلال صاروخًا على الخيمة بُترت قدمي الفتاة أسيل على الفور وغاصت بدماء والديها وشقيقها، لتبدأ حياة مليئة بالكوابيس، حيث لا علاج ولا أدوية تخفف آلام أقدامها ولا يوجد معابر تسمح لها بالسفر خارج القطاع لتلقي العلاج اللازمة وتركيب أطراف صناعية.

تقول الفتاة أسيل: "أكثر ما يؤلمني هو عدم قدرتي على تلبية احتياجاتي الخاصة ولا يوجد لي شقيقة أبوح لها بأسراري، صحيح أنا أخوتي لم يقصروا معي أبدًا لكن تبقى الأخت أقرب إلى أختها من أي شيء"، أكثر ما تتمناه الفتاة أسيل هو تركيب أطراف صناعية لها لتخدم نفسها بنفسها.

حكايات جرحى حرب الإبادة لم تروَ بكل تفاصيلها وآلامها، إذ إنَّ لكل جريح قصة مؤلمة وحكاية لا يمكن أن ينساها أبدًا ستظل ترافقه وحده إلى الأبد.

اخبار ذات صلة