ما ليس مستهجناً في دول العالم من ارتفاع الأسعار والبضائع في الأسواق العالمية بشكل كبير بسبب التراجع الاقتصادي العالمي، وضعف العرض والطلب تراه غير مقبول أو يمكن أن يتصوره عقل مقارنة بما يحدث في أسواق القطاع أثناء الحرب، فقد أصاب تجار قطاع غزة سعاراً لا شفاء منه، وقد امتلأت الأرصفة ببضائع مختلفة منها ما هو جيد ومنها ما هو رديء يجذب النازحين والمكتوين بنار الحرب، فتقع أعينهم عليها ولا تستطيع أياديهم أن تمتد نحوها بسبب الغلاء الفاحش، فلا يقوى على الشراء ويعود إلى خيمته خائباً خالي الوفاض.
فيتراكم حزنه لأنه لا يستطيع أن يطعم أفراد أسرته مما لذ وطاب، ولا يقدر حتى على تلبية الحد الأدنى من متطلباتهم من المواد الغذائية أو غيرها من احتياجات أساسية يجب أن تتوفر لكل أسرة لاستمرار الحياة الطبيعية التي لا يعيشها -إن صح التعبير- وقد طحنتها الحرب ولم ترحم أفواهاً تصرخ جفافاً، وأمعاء تتضور جوعاً.
لقد اكتوى أبناء غزة بنيران صديقة أحرقت جبوبهم وعصرت قلوبهم حسرة على ما لم تصل إليه أياديهم فأصابهم الحرمان بينما انتفخت جيوب التجار بأموال المواطنين التي امتصتها استغلالاً دون مراعاة لأي ظرف يعيشه النازح والمبتلى بالحرب الطاحنة التي انهارت فيها المؤسسات الخدماتية، واندثرت الأعمال الحرة بكل تفاصيلها؛ بسبب إغلاق المعابر وتضييق الخناق على سكان غزة من قبل الاحتلال وبالتالي وقوع العمال والموظفين بفقر مدقع بعد فقدهم لكل ممتلكاتهم بسبب القصف والإخلاء المتواصل والنزوح المتكرر وفي كل مرة يتركون خلفهم كل أشيائهم ويهربون بما خف حمله.
لم يرحم تجار الصدف والممسكون بزمام البضائع والمستحوذون عليها عنوة حاجة المواطنين الملحة لما يعينهم على شظف العيش وقسوة الحياة بعد انهيار المنظومات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية؛ فقد رافق هذا الانهيار سقوط في الأخلاق وغياب للضمائر التي جعلت التجار يرفعون أسعار السلع أضعافاً مضاعفة عما كانت عليه قبل الحرب.
لقد أطال تجار الصدف ومنتفعو الحرب تماديهم في حلب جيوب الناس، وسولت لهم أنفسهم خبثا بالتحكم بحياتهم واحتياجاتهم الأساسية لدرجة أنك لا ترى حتى توحيداً لسعر السلعة وتلاحظ الفروق بثمنها بين تاجر وآخر، وهو المظهر الأكثر تعارفاً عليه والأكثر انتشاراً عند دخولك السوق، فكل بائع يضع السعر الذي يغذي طمعه ويرضي جشعه دون حسيب أو رقيب، وفي النهاية يتسابقون على رفع الأسعار المحمومة ويتكاثرون على الجيوب المصابة بالهزال.
فأي عار وانحطاط أخلاقي قد وصلوا إليه دون وجود من يردعهم وينظم علاقتهم بالمشتري.
ويبقى السؤال إلى متى تستمر هذه المأساة التي نعيش دون شعور بما غرقت فيه الإنسانية من تيه، وتمزقت معانيها ولا مجيب لصراخاتنا التي ملأت الكون.. وصمّت عنها الآذان.