قائمة الموقع

نيران القصف تلتهم شعبان الدلو ووالدته.. حكاية الوداع الأخير ومشهد الرعب في ذاكرة والده

2024-10-16T14:51:00+03:00
عائلة الدلو
شمس نيوز - مطر الزق

كانت صرخاته تدمي القلب وهو يركض وسط ألسنة النيران المستعرة محاولًا إنقاذ عائلته، يردد بأعلى صوته والألم يخرج من حنجرته المحترقة: "يا الله حدا ينقذنا يا عالم"، في تلك اللحظات المؤلمة والحاسمة تدور عيني أحمد الدلو باحثًا عن أبنائه وزوجته، وبالكاد نقل أبنائه خارج خيمته المصنوعة من النايلون والتي ذابت على أجسادهم دون أن يدرك للوهلة الأولى أن حبه الأول بات رمادًا.

هذا ليس مشهدًا من فيلم أو رواية مكتوبة من خيال الروائيين؛ إنما جزءًا بسيطًا مما يحدث في قطاع غزة يوميًا بفعل القنابل المحرمة دوليًا والتي يلقيها جيش الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين الآمنين في مناطق النزوح شمال وجنوب القطاع ضاربًا بعرض الحائط كل المواثيق الدولية والإنسانية بعرض الحائط.

لم يدرك أحمد الدلو أن عائلته ستكون محط اهتمام العالم أجمع عندما وصلت عقارب الساعة إلى الواحدة فجرًا من يوم الثلاثاء (الرابع عشر من أكتوبر الجاري)، إذ وثق صحفيون فلسطينيون حادثة احتراق خيمة للنازحين داخل أسوار مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح عقب استهدافها بصاروخ من طائرة استطلاع إسرائيلية.

استشهد في الغارة الإسرائيلية التي التهمت نيرانها المستعرة أكثر من 10 خيام للنازحين 4 مواطنين بينهم شعبان الدلو ووالدته آلاء، فيما أصيب أكثر من 40 آخرين بحروق مختلفة، وفي تلك الحادثة المؤلمة انتشرت فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي أثناء احتراق شعبان فقد كان رافعًا ذراعيه عاليًا مناشدًا انقاذ روحه الطاهرة.

 

نزوح العائلة

بدأت حكاية عائلة الدلو في الثالث عشر من أكتوبر (2023) عندما قررت كما عشرات آلاف الأسر الغزية النزوح من شمال القطاع إلى جنوب وادي غزة، حيث المنطقة التي زعم الاحتلال بإنها إنسانية وآمنة.

تنقلت العائلة أكثر من 7 مرات جنوب القطاع من النصيرات إلى رفح وخانيونس والبريج ودير البلح لتستقر داخل أسوار مستشفى شهداء الأقصى، يقول أحمد لمراسل "شمس نيوز": "بعد عمليات النزوح المتكررة قررت الاستقرار في خيمة داخل مستشفى الأقصى باعتبارها منطقة آمنة ومحمية وفق القانون الدولي والإنساني".

خيمة أحمد الدلو كانت صغيرة جدًا ولا تتسع إلا إلى (5 أفراد) فقط، هنا قرر نجله الكبير شعبان (20 عامًا) المبيت داخل المسجد المجاور لمستشفى الأقصى، يشير أحمد لمراسلنا، إلى أن شعبان تعرف على مجموعة من الشباب داخل المسجد وبدأ يستعيد شريط ذاكرته التي حفظت كتاب الله كاملًا وقرر سرد القرآن كاملًا في جلسة واحدة.

 

نجا بأعجوبة ووداع آخر

وفي ساعة متأخرة في السادس من أكتوبر (2024) كان شعبان على موعد لسرد القرآن الكريم كاملًا وأثناء تلاوته شعر بالنعاس وركن بجسده في إحدى زوايا المسجد وكانت الفاجعة عندما وصلت عقارب الساعة إلى الثانية فجرًا.

"صوت طائرات الاحتلال المزعج لم يكن لله"، يقول محمد شقيق شعبان والألم يعتصر قلبه، لمراسلنا "تفاجأنا باستهداف المسجد والمعجزة المفاجئة أن شعبان نجا من موت محقق، حيث استشهد داخل المسجد نحو 22 شخصًا وأصيب شعبان بجروح في رأسه وأنحاء متفرقة من جسده".

تجمع أفراد عائلة الدلو في خيمة والد شعبان داخل مستشفى الأقصى للاطمئنان على نجله بعد الإصابة، إذ اعتقد شقيقه محمد بأن شعبان كان يودع الجميع -الوداع الأخير- في تلك اللحظة استعاد محمد شريط ذكرياته قائلًا: "أذكر عندما جاء أعمامي وأبنائهم للاطمئنان على شعبان، كان شقيقي يبتسم طوال الوقت كأنه يدرك أن إصابته كانت سببًا في ترك بصمة له قبل ارتقائه شهيدًا".

 

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

 

ليلة النيران المستعرة

توقف محمد برهة من الوقت ثم عاد للحديث باكيًا: "في ليلة الكابوس المرعب كنت جالسًا على بسطة صغيرة أمام بوابة المستشفى أقمتها وشعبان منذ نحو 4 أشهر، وبعد آذان العشاء جاءني شعبان ودفعني للعودة إلى الخيمة وأداء صلاة العشاء".

عاد محمد إلى البسطة وطلب من شقيقه شعبان العودة للخيمة حيث والديه وشقيقه عبد الرحمن وشقيقتيه في تلك اللحظات استذكر محمد حالة التوتر والقلق التي سبقت الحادثة المؤلمة يقول: "كانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تحلق بشكل مكثف جدًا في أجواء المستشفى كأنها تسير على الأرض بسبب ارتفاعها صوتها المزعج".

"وضعت يدي على قلبي، وقلت في نفسي الطائرات لا تحلق بدون سبب أكيد ستستهدف خيمة جديدة للنازحين لكن أين؟"، لم يتوقع محمد أن الاستهداف سيكون لخيمتهم وفجأة عندما وصلت عقارب الساعة إلى الواحدة و(20 دقيقة) فجرًا وقع انفجار كبير داخل مستشفى الأقصى تبعه مباشرة اشتعال النيران في الخيام المجاورة للانفجار".

قفز محمد عن بسطته أمام بوابة المستشفى وهرع صوب خيمته ليتفاجأ باشتعال النيران في خيمة والده حيث العائلة، كان لهب النيران كبيرًا ويتسع تدريجيًا كلما اقترب منه أحد كانت النيران تلسعه وتحرقه، وفجأة ظهر شابًا من وسط النيران محاولًا الخروج، ترتفع ذراعيه عاليًا ثم تهبط في تلك اللحظة المؤلمة صرخ محمد: "هذا شعبان!"، صرخ محمد بأعلى صوته وحاول القفز وسط ألسنة النيران إلا أن مجموعة من جيرانه أمسكوا به.

يقول محمد لمراسلنا: "كنت أرى شعبان وهو يحترق شفت أمي وهيَّا تحترق، أنا كنت واقف قدامهم مش قادر أقدم خطوة وحدة بسبب قوة النيران"، قال تلك الجملة وانهمك في البكاء وردد وهو يصرخ من أعماق قلبه: "مين بقدر يرجع أمي؟، بدي أشوفها مرة وحدة بس؟ بدي أشوف شعبان أسلم عليه أسمع تعليماته" كانت كلماته المؤلمة دافعًا قويًا ليبكي كل من بجانبه.

 

اعتقدت أنها زوجتي

أما أحمد والد شعبان روى الحادث المؤسف وهو يرتعد خوفًا وقد أصيب بحروق في كافة أنحاء جسده، يقول لمراسلنا: "هنا استشهد ابني شعبان وزوجتي آلاء، هنا كان حلمنا الصغير وبيتنا الذي آوانا طوال شهور مضت من الحرب".

كان أحمد يشير بذراعه اليسرى التي سلمت من النيران المستعرة واضعًا الكوفية الفلسطينية على رأسه، وقد اهتز قلبه من الألم يقول: "ذهبت لتعبئة المياه الساعة الواحدة فجرًا وعندما عدت للخيمة كان هناك تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية".

مسح بذراعه الأيسر الحروق التي أصابت ذراعه الأيمن، يقول وقلبه يحترق: "أطلقت طائرات الاحتلال صاروخًا على باب الخيمة ومن قوة الانفجار طرت خارج الخيمة وسقط على جسدي كرسي حديد وفجأة انتشرت النيران في جميع جوانب الخيمة بشكل مجنون".

برقت ألسنة النيران في عيني أحمد الذي هب مسرعًا لإنقاذ عائلته، أخرج ابنتيه وابنه عبد الرحمن من وسط النيران كان يعتقد أن ابنته هي زوجته، حاول العودة للخيمة لإنقاذ شعبان لكنه قال: "أنقذت ابنائي وزوجتي لكن شعبان لم أتمكن من إنقاذه فقلت الحمد لله وربنا يرحم شعبان".

واثناء تلقي أحمد العلاج داخل المستشفى تفاجأ بأن زوجته استشهدت داخل الخيمة قائلًا: "لم أكن أدرك أن زوجتي استشهدت عندما أخرجت ابنتي كنت اعتقد أنها زوجتي لكن الزوجة قد تكون قد استشهدت بسبب شظايا الصاروخ أولًا ثم احترقت بالنيران المستعرة".

يحاول أحمد كتم آهاته بعدما وضع المراهم على جسده، وبات في حالة مبكية جدًا عندما استذكر بناته قائلًا: "الآن تشتت العائلة شعبان وزوجتي استشهدا أما بناتي ففي المستشفى الأمريكي الميداني بالزوايدة أما طفلي عبد الرحمن فموجود في العناية بمستشفى ناصر في خانيونس جنوب القطاع".

وأقصى ما يتمناه أحمد هو تلقي العلاج اللازم لأبنائه خارج قطاع غزة الذي يفتقر لأدنى المستلزمات الطبية نتيجة استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية، ولملمة شمل الأسرة بعدما فرقتها صواريخ الاحتلال.

حادثة احتراق عائلة الدلو المؤلمة داخل مستشفى الأقصى بدير البلح دفعت أبناء العائلة لتوجيه رسالة للعالم أجمع وللمؤسسات الدولية والإنسانية والحقوقية، إذ قالوا لمراسلنا: "أتمنى من أصحاب الضمير الحي والإنساني الوقوف وقفة رجل واحد لإنهاء الحرب واعادتنا إلى بيوتنا التي نزحنا منها قسرًا".

اخبار ذات صلة