لم يكن يوم الثاني عشر من أكتوبر 2023 يومًا عاديًا في مدينة غزة، فقد باغتت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عائلة القيادي في حركة الجهاد الإسلامي ومدير مركز أطلس للدراسات، عبد الرحمن شهاب في مدينة جباليا شمال قطاع غزة بغارة كبيرة أدت لمسح الأسرى الكريمة من السجل المدني كغيرها المئات من الأسر الغزية.
ونسلط في هذا التقرير على السيرة الذاتية للشهيد القيادي شهاب والذي قدم حياته كاملة في الجهاد والمقاومة والكفاح والفكر والتوجيه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فقد واجه الاحتلال منذ نعومة أظافره واعتقل في سجون الاحتلال 23 عامًا وما أن أفرج عنه حتى أسس مركز أطلس للدراسات لمتابعة شؤون الاحتلال الإسرائيلي لإدراكه مدى أهمية دراسة الفكر الصهيوني لمواجهته عبر خطط استراتيجية وتكتيكية للفصائل الفلسطينية.
السيرة الذاتية
وُلد عبد الرحمن ربيع عبد الرحمن شهاب في بلدة جباليا في محافظة شمال قطاع غزة في الثاني عشر من تموز/ يوليو عام 1968، وهو متزوج وله ثلاثة أبناء. درس المرحلة الأساسية في مدرسة جباليا البلد للبنين في بلدة جباليا، وحصل على الثانوية العامة في الفرع العلمي داخل سجون الاحتلال عام 1997، ونال درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة تل أبيب المفتوحة عام 2006، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة تل أبيب المفتوحة عام 2007. يعمل مديرا لمركز أطلس للبحوث والدراسات منذ عام 2012.
انتمى شهاب إلى حركة الجهاد الإسلامي عام 1986، وشارك في تنفيذ نشاطاتها، وكان من كوادرها في الانتفاضة الأولى، ونَشِط في صفوف الحركة الفلسطينية الأسيرة، فكان أميرا عاما لحركة الجهاد الإسلامي في سجون الاحتلال لأكثر من دورة تنظيمية.
تخصص شهاب بالشأن الصهيوني، وأسس مركز أطلس للبحوث والدراسات عام 2012، ونشر عددا من الأبحاث والدراسات والتقارير منها: رؤية الدكتور فتحي الشقاقي في إدارة الدولة الحديثة (2013)، والعلاقات التركية الإسرائيلية في العقل الإسرائيلي، وعسكرة القرار القومي الإسرائيلي (2015)، وعاشوراء بين التقويم العبري والإسلامي (2016)، ونشر أيضا عددا من المقالات والتحليلات في صحف ومواقع إلكترونية تعنى بالشأنين الفلسطيني والصهيوني، وترجم مركزه عددا من الكتب والدراسات المنشورة بالعبرية منها: الجرف الصاعد تداعيات وعبر (2015)، والحروب الموجهة إعلاميا (2018)، والسهم المرتد (2020)، وشارك في عدد من المؤتمرات في فلسطين والخارج.
يتبنى شهاب الفكر الإسلامي، ويعتقد أن الفلسطينيين حاولوا استغلال اتفاق أوسلو من أجل تثبيت النظام السياسي الفلسطيني والحفاظ على القضية الفلسطينية من الاندثار، في حين أراد الاحتلال تحويل منظمة التحرير إلى نظام أشبه بنظام جيش لحد، وقد نجح الاحتلال في تحقيق جزء كبير من أهدافه، في المقابل استطاعت فصائل المقاومة في قطاع غزة أن تُشكّل حامية لظهر المقاومة، وتراكم قوة المقاومة وفصائلها المسلحة، وتُسجِّل المزيد من النقاط لصالحها، كما تحاول الضفة منذ فترة الإفلات من السيطرة الإسرائيلية، وترجمت ذلك في عدد من الهبات، وقد واكب كل ذلك تراجعا متسارعا لدولة الاحتلال.
يعتقد شهاب أن إمكانيات تجاوز الانقسام بين حركتي حماس وفتح معدومة في هذه المرحلة، في حين أن العلاقة بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي مستقرة وقائمة على التفاهم، وكذلك العلاقات بين التيارات الإسلامية والعلمانية جيدة بشكل كبير، ويرى أن من حق الفلسطينيين استخدام جميع أساليب المقاومة، لكنَّ المقاومة المسلحة ثمنها غال، لذلك يجب المزاوجة بين المقاومة المسلحة والمقاومة السياسية والإعلامية، ويؤمن بأن القضية الفلسطينية مرتبطة بمستقبل العالم الإسلامي، وبوحدة الأمة الإسلامية، خصوصا وأن دولة الاحتلال صُنعت للحفاظ على تقسيم العرب والمسلمين، وهي لن تزول بقوة الفلسطينيين وحدهم، وسوف يتحقق الانتصار عندما يعود الصراع إلى صراع عربي إسلامي ضد الكيان الصهيوني. ويرى بأن موافقة الاحتلال على حل الدولتين مؤقت، وهو يسعى لقضم المزيد من الأراضي وتهويدها لتحقيق “إسرائيل” الكبرى، وأصبح من الصعوبة تحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، أمَّا حل الدولة الواحدة فلا يطرحه إلا اليائسون من فكرة حل الدولتين.
عانى شهاب من الاحتلال؛ فقد اعتقلته قوات الاحتلال في السادس عشر من كانون الأول/ ديسمبر عام 1988، وحكمت عليه بخمسة وثلاثين عاما، وأفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار عام 2011. كما قامت بـ “تشميع” إغلاق منزل عائلته، وعرقلت إكمال تعليمه في سجونها أكثر من مرة، من خلال تكرار تنقله بين السجون، ومنع وصول بعض الكتب له رغم أنَّها كتب جامعية مقررة من جامعة إسرائيلية.
تأسيس مركز أطلس للدراسات
مركزُ أطلس للدراسات أُسس في قطاع غزة بعد صفقة (وفاء الأحرار) عام 2012؛ على يد خبراء في الشأن الإسرائيلي، شكلوا إضافة نوعية للحالة الفكرية الفلسطينية، فحققوا الكثير من الإنجازات من خلال المركز، أبرزها إضافة زخمٍ فكري كبيرٍ للحالة الفكرية والمعرفية الفلسطينية؛ عدا عن أن المركز بات محطة التقاء للنخب الفكرية، والثقافية، والإعلاميةِ، والسياسيةِ، والأكاديميةِ.
ويرتكزُ المركز على جملة من المبادئ التي لا الحياد فيها، فالمركز معروف في أوساط النخبِ باتباعه طرقٍ منهجية وعلمية بكل حركاته وسكناته، وملتزماً بمعايير أخلاقية وديمقراطية بعيداً عن أي تعصبٍ أو اعتدادٍ بالرأي، أو ليٍ لعنق الدراسات، أو الأبحاث، أو الخلاصات العلمية.
اغتياله
وأُغتيل شهاب مع زوجته وأبنائه الثلاثة ووالدته و38 آخرين من أبناء عائلته في 12 أكتوبر 2023 خلال ضربةٍ جوية نفذتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على منزله الكائن في جباليا شمال مدينة غزة، وذلك خلال حرب الإبادة الإسرائيلية التي تشنها ضد المدنيين في قطاع غزة، وذلك بعد رد المقاومة الفلسطينية من خلال عملية طوفان الأقصى على جرائم الاحتلال في القدس والضفة وقطاع غزة.
وكانت حركة الجهاد الاسلامي قد نعت القيادي والأسير المحرر مدير مركز أطلس للدراسات عبدالرحمن شهاب مع زوجته وابنائه ووالدته في قصف إسرائيلي غاشم استهدف منزله في بلدة جباليا شمال قطاع غزة.
ويعتبر شهاب أحد النخب السياسية والثقافية المعروفة، إذا برز بين النخب الثقافية ككاتب ومحلل سياسي، ولديه عدداً من المؤلفات والابحاث العلمية المتخصصة في الصراع الفلسطيني_الاسرائيلي