"هربتُ من بيتي تحت وقع قصف المدفعية وتناثر شظايا القذائف، وتوجهت باتجاه الغرب لأحتمي في أحد المنازل، وهناك شاهدت مفاجأة"، بهذه الكلمات بدأ المواطن شريف "ن" (42 عاماً) من مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، سرد قصته المثيرة بعدما نجا من الموت المحقق، أثناء مغادرته المخيم، حسبما تحدث لـ"الأيام".
وقال: "في وقت سابق قررت أن أخلي عائلتي المكونة من ستة أفراد إلى مكان غرب مدينة غزة؛ نتيجة لتوالي القصف الجوي والمدفعي على منطقتنا شرق المخيم،
وبقيت وحدي في المنزل، لكن تصعيد العدوان وتضرر المنزل وتوالي تهديدات قوات الاحتلال أجبرتني على المغادرة".
وأضاف: "تنقلت من شارع إلى شارع هرباً من الموت حتى وصلت إلى مكان غرب المخيم، لكني لاحظت اقترابي من تواجد دبابات الاحتلال، واحتميت بأحد المنازل، التي تعرضت للقصف، ولم أكن أعرف أصحابه بعدما وجدت الباب موارباً"، مشيراً إلى أنه تفاجأ من وجود جثمانَين أحدهما لرجل في الثلاثينيات من عمره بدا أنه قضى متأثراً بجروح أصيب بها في السابق، وآخر لطفل في السادسة أو السابعة من العمر لم تبدُ عليه أي آثار جروح، وقضى في سرير داخل الغرفة، ويبدو أنه كان مريضاً وجائعاً.
لم ينكر المواطن "شريف" أنه صعق من هول ما شاهده في بداية الأمر، وشعر بكثير من الخوف والرعب، لكن تهديدات الاحتلال وتحليق طائرات "كواد كابتر" أجبرته على السكون لفترة وجيزة بجانب الجثمانَين، متوقعاً قصف المنزل القديم والمتضرر جزئياً من قصف سابق، في أي وقت.
وتابع: "مكثت أربعة أيام من دون غذاء وتوجهت لأبحث عن أي طعام أو خبز ولم أجده في كافة أرجاء المنزل، ويبدو أن الطفل استشهد إثر الجوع والمرض، وأن الرجل استشهد بسبب جروح أصيب بها ونقص الغذاء والعلاج".
وأشار أحد مسؤولي وزارة الصحة بغزة، في تصريحات صحافية، إلى أن المدنيين يقضون جوعاً وعطشاً داخل منازلهم بسبب استمرار الحصار على مخيم جباليا، وشمال القطاع عموماً.
وروى شهود عيان ومصادر محلية أخرى أن الاحتلال منع وصول طواقم المسعفين إلى غالبية المناطق التي تتعرض للعدوان، فيما نفد الغذاء الذي كان متواجداً في منازل المواطنين، مؤكدين عدم وجود طعام، لا سيما للأطفال والرضع الذين فقدوا الحليب بشكل كامل.
وقال شريف: "بعدما شعرت بهدوء في حركة الدبابات التي بدا أنها انسحبت من المكان، قررت المغادرة ورافقت مجموعة من المواطنين كانوا في طريقهم للمغادرة عبر طرق بديلة باتجاه الغرب ومنه إلى مشارف مدينة غزة".
وأكد أنه في غاية القلق على أفراد عائلته الذين لا يعلم مكان تواجدهم ولا مصيرهم، بعد أن غادروا المنزل وافترقوا عنه منذ نحو ثلاثة أسابيع، فيما بالتأكيد هي تجهل مصيره، مشيراً إلى أنه يحاول التواصل معهم عبر جهازه الخلوي دون أي ردود.
وأعرب عن تخوفه من تعرضهم لمكروه أثناء مغادرتهم المخيم أو في مكان نزوحهم، لكنه سيقوم بالبحث عنهم بشكل متواصل حتى اللقاء بهم