يركض "محمد نصار" وزوجته، وأمامهما أطفالهما المذعورين، وتتسارع خطواتهم الحذرة؛ بحثاً عن مكان آمن، تاركين خلفهم منزلهم المسقوف بـ"الإسبست"، الذي كاد ينهار فوق رؤوسهم، بفعل تساقط شظايا الصواخ الحربية والقذائف المدفعية، وإطلاق النار الكثيف من طائرات الكواد كابتر، في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، خلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع منذ394 يوماً على التوالي.
في ذلك الصباح المُرَوِّع، توالت الانفجارات من كل حدب وصوب، وتصاعدت ألسنة الدخان، فأحالت زرقة السماء إلى سوادٍ وجحيمٍ ملتهبٍ، تختلط فيه الصرخات بدويّ القذائف، وكأنَّه بركان استيقظ من سباتِه وفتح أبواب النار ليصب جام الحمم صوب الناس.. ليلتها اكتظ المخيم الجديد في شمال النصيرات برائحة الموت وتعالت صرخات النساء وبكاء الأطفال، بعد أن استهدفت صواريخ الطائرات وقذائف دباباته الحربية عدة منازل مدنية بشكل مباشر، واستمرار القصف العشوائي، يقول "محمد" لمراسل "شمس نيوز": "تلك الليلة حوصرنا جميعاً في غرفة واحدة بالبيت لمدة أربع ساعات، وانتظرنا توقف الاستهدافات، لكنَّ القصف ازدادت شدته، واهتزت له أركان البيت كلها، وعندما تساقطت الشظايا صباح اليوم التالي على سقف بيتي المكون من "الإسبست"، ركضنا بلا وعي من البيت؛ بحثاً عن مكان آمن".
وتشهد المحافظة الوسطى في قطاع غزة، خاصة مخيم النصيرات، قصفاً إسرائيلياً مكثفاً، ما أسفر عن استشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين، في وقت تتواصل فيه الإبادة والتطهير العرقي بمحافظة شمال قطاع غزة.
واستشهد 16 مواطناً وأُصيب أكثر من 30 آخرين بينهم أطفال ومسعف وصحفيان، إضافة إلى فقدان عدد آخر، جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلين شمالي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
واستهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية استهدفت منزل عائلة أبو أمّونة في مخيم النصيرات للمرة الثانية أثناء محاولة إنقاذ مصابين في غارة سابقة.
لاذ "محمد" بالصمت، ومسح جبينه المتصبب عرقاً، بكم قميصه، وأخذ نفساً عميقاً، قبل أن يُكمل حديثه قائلاً: " خرجنا بأعجوبة من المنزل، رصاص طائرة الكواد كابتر كان يتعقبنا، وكأن الموت يلاحقنا".
وإثر ذلك، شهد شمال مخيم النصيرات حركة نزوح واسعة، في محاولة للنجاة من تصاعد القصف الذي طوّق المنطقة من جميع الجهات، مما جعل الوضع أكثر خطورة وصعوبة، مع استمرار تحليق الطائرات الحربية في السماء.
المسنة "أم محمد بركات" عن سابقها لم يختلف حالها عن سابقها، إذ روت لمراسل "شمس نيوز"، بصوتٍ "مليءٍ بالحزن، والدموع تتساقط من محجريها، تفاصيل رحلة هروبها من موت محقق، تقول: "نزلت علينا القذائف بشكل مباشر، وأصيب ابتي محمود هربنا من الموت بأعجوبة، وأصيب ابني محمود وتحاصرنا في مكاننا، إلى أن جاءت سيارة الإسعاف وتمكنا خلالها من التحرك نحو المشفى بعيداً عن القصف".
وانتقدت المسنة "بركات" الصمت العربي والإسلامي المخزي أمام هول الجرائم والمجازر، وتواطُأَهم في وحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة.
وأعلنت وزارة الصحة بغزة، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 43,341 شهيداً و102,105 مصابين منذ السابع من أكتوبر الماضي.