قائمة الموقع

نجا من مجزرة بيت لاهيا.. محمد يروي تفاصيل مأساوية لليلة الموت

2024-11-04T16:58:00+02:00
مجزرة بيت لاهيا آل أبو نصر.jfif
شمس نيوز - مطر الزق

فزع محمد من صوت الانفجارات المدوية قرب لجوئه الجديد، حاول الوقوف على قدميه وسط عتمة الليل حتى اصطدم بالجدار، لم يرَ شيئًا أمامه؛ فتسللت يده تحت وسادته حيث هاتفه النقال؛ ليشعل الإضاءة بيد مرتجفة وقلب مضطرب، صارخًا على أسرته وصوته مليء بالرجفة والتوتر: "لا تخافوا القصف بعيد عنا".

ثوانِ قليلة حتى وجد محمد نفسه أمام باب المنزل الذي لجأ إليه لتوه؛ ليشاهد أقسى مشهد مر على شريط ذاكرته، أعمدة الدخان تتصاعد، رائحة البارود قادمة من العمارة السكنية التي هرب منها قبل ساعات قليلة فقط، صوت الحجارة والشظايا تتساقط حوله كالمطر، وعلى بعد أمتار منه جثث ملقاة على الأرض.

تجمدت حركته غير مصدقًا لما يجري حوله، فمحمد نبيل أبو نصر نجا في الساعة العاشرة ليلًا من يوم الاثنين (28 أكتوبر 2024) من الموت بأعجوبة، عندما استهدفت طائرات إسرائيلية أربعة منازل قرب العمارة السكنية التي أوى إليها برفقة نحو 250 شخصًا من أفراد عائلته منذ أيام قليلة فقط لبدء الاجتياح البري الإسرائيلي لمدينة جباليا شمال القطاع.

وكان محمد قد اضطر لمغادرة العمارة السكنية بعد استهداف المنازل الأربعة المجاورة له، إذ تساقط ركام المنازل الأربعة داخل غرف الطابق الأرضي للعمارة السكنية، ما دفع محمد وأسرته الصغيرة لمغادرة العمارة مسرعًا تحت ظلام الليل، إلى منزل جيرانه الذي يبعد عن العمارة نحو 50 مترًا فقط.

حاول محمد قدر المستطاع التعامل مع أفراد أسرته الصغار بكل هدوء فطمأنهم: "ناموا هذه الليلة وغدًا سنعود للعمارة ونجلس مع باقي أفراد العائلة ونشرب ونأكل ما يحلوا لنا"؛ فقد غلب النوم على أسرته بينما تعبت جفونه من مراقبة طائرات الاستطلاع وكواد كابتر وصوت الرصاص وقذائف الموت؛ فنامت هيا الأخرى علها تصحوا على الأمن والأمان.

ساعات قليلة فقط واستفاق محمد وغيره عشرات الآلاف من سكان بلدة بيت لاهيا ومدن شمال القطاع في الساعة الرابعة فجرًا من يوم الثلاثاء (29 أكتوبر 2024) على وقع الانفجارات القوية التي تسببت بها براميل متفجرة ألقتها طائرات الموت على عمارة عائلة أبو نصر السكنية لتصبح العمارة ومن فيها من مدنيين (أطفال ونساء ومسنين ورجال) أثرًا بعد عين.

 

حكاية مأساوية

بدأت الحكاية المأساوية لعائلة أبو نصر، عندما بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي اجتياحًا بريًا لمنطقة شرق جباليا ثم توسعت إلى معسكر جباليا، لتشتد إلى أن وصلت لجباليا النزلة والمناطق الشمالية حيث بيت لاهيا وبيت حانون، وهنا لم يكن أمام العائلات الغزية؛ إلا أن تنزح على وقع صواريخ الموت والقتل والإرهاب الإسرائيلي، ليقرر أفراد عائلة أبو نصر التوجه إلى العمارة السكنية لعائلتهم في مشروع بيت لاهيا أملًا في إيجاد الأمن والأمان.

وتكدس داخل العمارة المكونة من خمسة طوابق ونحو 10 شقق سكنية وفقًا لـ"محمد" أكثر من (250 شخصًا) من أبناء العائلة خشية من قذائف الموت، واصفًا المشهد بأنه – يوم الحشر الأكبر- ولم يبقَ لـ"محمد" وأسرته الصغيرة؛ إلا أن يلجأ للطابق الأرضي للعمارة السكنية، ويشير إلى أن الوضع كان صعبًا جدًا من حيث الأكل والشراب فقد نفذت جميع المواد التموينية.

ويستذكر محمد بعضًا من الأحداث والمشاهد المرعبة ليقول لمراسل "شمس نيوز": "أكثر الأيام صعوبة وقسوة شمال قطاع غزة كانت نزوح العائلات من مناطق سكناهم على وقع القصف والدمار والرصاص، والهرولة فوق الركام والدمار خشية من الآليات العسكرية الإسرائيلية، والأمر من ذلك فقدان الأكل والشراب وتكدس العائلة في منزل واحد".

واشتدت الأحداث صعوبة كما يروي محمد لـ"مراسلنا" عندما استهدفت طائرات الاحتلال أكثر من 4 منازل في ليلة واحدة في مشروع بيت لاهيا وهي قريبة جدًا من المكان الذي لجأ إليه وأسرته، حيث شعرت أسرته بالخوف والرعب عندما وصلت إليها حجارة وغبار الركام، ولم يكن أمامه سوى النزوح هربًا تحت جناح الليل لتأمينهم.

وانتهت صدمة محمد وأسرته الأولى عندما وضع رأسه على وسادته في المكان الجديد الذي لجأ إليه، لكن الاحتلال الإسرائيلي كان يجهز نفسه لارتكاب مجزرة مروعة بحق عائلته التي لم بقيت صامدة في العمارة السكنية.

اتنظر قائد طائرة الموت الإسرائيلية إلى أن وصلت عقارب الساعة إلى الرابعة فجرًا من يوم الثلاثاء (29 أكتوبر 2024) حتى ألقى ما تحمله طائرته من صواريخ قاتله محدثة أصوات مرعبة دفعت محمد وأسرته وآلاف الأسر الصامدة في شمال قطاع غزة للشعور بالموت ألف مرة.

للوهلة الأولى توقف قلب محمد مع قوة الانفجارات وما تلاها من ألسنة النيران وغبار الركام ورائحة البارود، ولم يتمكن من استيعاب ما جرى؛ إلا بعد نحو ربع ساعة من وقوع الانفجارات، فورًا هرع محمد حيث العمارة السكنية لعائلته؛ لكنه لم يجد منها سوى آثار الركام والدمار.

توقفت قدما محمد في مكانهما ولم يستطيع تحريك جسده، وبدا يشعر برجفة تقشعر لها الأبدان، عينياه المحمرتان تدمعان بغزارة، جلس على ما تبقى من ركام العمارة السكنية يصرخ بصوت أصابه الضعف والهذيان على ما تبقى من عائلته: "هل هناك أحد ناجي؟، وينكم يا حبايبي؟ حدا يرد عليَا؟".

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

واصل محمد صراخه تحت جناح الليل ووسط الدمار وأعمدة الدخان: "يا الله، يا الله حدا ينقذنا يا عالم"، لكن صدى الصوت هو من يجيبه يقول: "في تلك اللحظة لم أشعر بنفسي لم أدرك ما يجري أبدًا، حاولت الاتصال بالإسعاف والدفاع المدني لكن الإجابة كانت واحدة لن نلبي النداء!، المكان خطر، والاحتلال حذرنا من إنقاذ الجرحى".

لحظات قليلة حتى هرع أصحاب النخوة من أهالي مشروع بيت لاهيا وبأيديهم الممتلئة بالجروح حفروا الركام وبأظافرهم أزالوا الردم، يقول محمد لمراسلنا: "تحت أشعة الكشافات النقالة أنقذتُ حوالي 15 شخصًا من تحت الركام وهم الآن يتلقون العلاج في مستشفى المعمداني في غزة".

نخرت الآلام قلبه وهو يقول: "انتشلت 117 شخصًا من عائلتي من تحت ركام العمارة السكنية ودفنتهم جميعًا في سوق مشروع بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وما زال هناك نحو 120 آخرين تحت أنقاض العمارة السكنية".

يحاول محمد التقاط أنفاسه ثم يعود بالذاكرة إلى مشهد الجثث المتناثرة، فقد أشار إلى أنه وجد نحو 50 جثة ملقاة على بعد نحو 40 مترًا بسبب قوة انفجارات الموت التي أحدثتها صواريخ الاحتلال الإسرائيلي.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: "إن جيش الاحتلال، ارتكب مذبحة فظيعة ومروّعة في بيت لاهيا؛ حيث قصف عمارة سكنية تعود لعائلة أبو النصر مكونة من خمسة طوابق، ويتواجد فيها أكثر من 200 مدني؛ استشهد منهم 93 شهيداً وأكثر من 40 مفقوداً ووجود عشرات الإصابات".

وأوضح في بيان عبر قناته الرسمية بتطبيق «تليجرام»، اليوم الثلاثاء، أن «جيش الاحتلال كان يعلم أن هذه العمارة السكنية تضم العشرات من المدنيين النازحين، وأن غالبيتهم من الأطفال والنساء الذين شردهم من أحيائهم المدنية السكنية».

وأشار إلى أن «هذه الجريمة الجديدة تتزامن مع خطة الاحتلال الإسرائيلي بإسقاط المنظومة الصحية في محافظة شمال قطاع غزة، وتدمير المستشفيات الأربعة وإخراجها عن الخدمة، وكذلك بالتزامن مع منع الاحتلال لإدخال العلاجات والأدوية والمستلزمات الطبية».

وبدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي في 5 أكتوبر المنصرم قصفا غير مسبوق على مناطق شمال القطاع، قبل أن يجتاحها بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها"، بينما يقول الفلسطينيون إن "إسرائيل" ترغب في احتلال المنطقة وتهجيرهم.

وتسبب الهجوم المتزامن مع حصار مشدد في خروج مستشفيات محافظة الشمال عن الخدمة، كذلك أدى إلى توقف خدمات الدفاع المدني ومركبات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني.

ومنذ 7 أكتوبر 2023 ترتكب "إسرائيل" بدعم أمريكي مطلق إبادة جماعية بقطاع غزة، خلفت أكثر من 144 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وتواصل "تل أبيب" مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

اخبار ذات صلة