قائمة الموقع

بالصور مدرسة "ساعد" تُنير عقول الأجيال وتتحدى التجهيل.. بصيصُ عِلمٍ في عتمةِ الحرب!

2024-11-06T18:18:00+02:00
شمس نيوز - وليد المصري 

بانتظامٍ وترتيبٍ بديعٍ، يصطَفُّ طلبة مدرسة “ساعد” التعليمية في الطابور الصباحي، بينما تتسلل خيوط أشعة الشمس الهادئة لتنشر دفأها في أجسادهم الصغيرة، يستمعون للإذاعة المدرسية بانتباهٍ، ويُمارسون التمارين الرياضية المدرسية، بابتسامةٍ تُزيِّنُ وجوههم المشرقة، وأصواتهم الرقيقة تتعالى كأنها ألحانٌ تُنْسَجُ من روحِ غزة الصامدة، يملؤهم الإصرار للبدء بالحصة الصفية، بعد توقف سير العملية التعليمية بشكل كامل وتدمير المدارس والمراكز التعليمية لأكثر من عامٍ كامل؛ بسبب حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م.

دون تذمرٍ أو شكوى، يجلس الطلبة على طاولاتٍ أرضية بسيطة داخل الغرفة الصفية، ليبدؤوا أولى الحصص، إذ يشرع معلم اللغة العربية في تلقينهم وتعليمهم كتابة حروف الهجاء، وتكوين الكلمات والجمل القصيرة، مرددين وراءه بحماسة، وكأن كل حرف يشكل نافذة على عالم جديد يتطلعون لاكتشافه. 

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

مدرسة “ساعد” التعليمية هي فكرة ريادية أطلقتها مؤسسة "ساعد" التنموية التي تُعنَى بالعمل الخيري، وتختص بالشأن التعليمي، شُيِّدت من ألواح "الزينكو" بمدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، ونبضت بالحياة وروح المثابرة والعلم والإرادة التربوية؛ لإنقاذ الطلبة والنشء من الجهل والضياع في ظل سعي الاحتلال إلى نشر التجهيل من خلال قتل الأطفال والاستهداف المباشر للمدارس ونسف الجامعات ومراكز التعليم. 

في غرفةٍ صفيَّةٍ أخرى، تعكف المعلمة "هالة المصري"، وهي معلمة اللغة الإنجليزية، على تعليم الطلبة الحروف الإنجليزية وتنطلق بهم إلى عوالم إبداعية من خلال تكوين الكلمات وشرح المعاني، بإخلاصٍ وتفانٍ شديد، مُستَخِدمَةً الوسائل التعليمية المتاحة "كالسبورة والطبشور"، مُوَظِّفَةً أساليب التعليم النشط؛ لضمان مشاركة أكبر عددٍ من طلبتها في التعلم والابتكار، مُوزعةً ابتساماتٍ لا تخلو من الأمل، تُجسِّدها حقيقةً الحِكَم والمقولات المُلهمة التي عُلِّقت في كل زاوية من زوايا المدرسة. 

داخل غرفة الإدارة المدرسية، ينهمك "الأستاذ كامل المصري"، وهو مدير مدرسة “ساعد” التعليمية، في وضع الخطط والاستراتيجيات التربوية، بما يتوافق مع رؤية وزارة التربية والتعليم العالي، عاقداً العزم على تهيئة بيئة تعليمية أفضل للطلبة رغم التحديات الجسيمة، أمامه على المكتب أوراق كثيرة وملاحظات دوّنها بدقة، ثم ما يلبث أن ينظم جولات تفقدية للغرف الصفية؛ لمتابعة تطورات سير العملية التعليمية.

يقول “المصري”، لمراسل "شمس نيوز" الذي زار المدرسة واطَّلع على سير العملية التعليمية فيها، إنَّ "مشروع إنشاء المدرسة جاء نظراً لحاجة المنطقة المَاسَّة لمركز تعليمي، وتعطش المنطقة والطلاب للتعلم بعد سنة كاملة من الانقطاع بسبب الحرب".

في البداية، كانت الفكرة عبارة مركز تعليمي صغير، ثم تطوَّرت الرؤية واتسعت -بعد العطش العارم للتعليم- لتكون مدرسة تضم المراحل الأساسية (من الصف الأول حتى الصف السادس)، كما أضاف المصري. 

ويُبيِّن “أ. كامل المصري”، أنه "منذ اللحظة للإعلان عن افتتاح المدرسة، تفاجأنا بحجم الإقبال الكبير جداً، إذ بلغ عدد الطلبة عدد الطلبة والطالبات المسجلين نحو 1200 طالب وطالبة موزعين على 10 فصول دراسية"، مع إشارته إلى أن "آلية الدوام في المدرسة تكون مناصفة، بحيث تُخَصَّصْ 3 أيام للطلاب الذكور، ومثلها للطالبات الإناث، خلال فترتين يومياً لكل فئة (الفترة الأول من الصف الأول حتى الثالث، والفترة الثانية من الصف الرابع حتى السادس)".

حجم الإقبال الكبير أدى إلى اكتظاظ المدرسة، للدرجة التي دفعت إدارة مدرسة “ساعد”، إلى التفكير في افتتاح فترة تعليمية ثالثة لمراحل عليا؛ لضمان تعليم أكبر قدر من النشء وتنشئة الأجيال وتعزيز ارتباطها بالعلم والمعرفة، كما يُوضح مدير المدرسة. 

وتضم المدرسة نحو 25 مدرساً وإدارياً مؤهلين تأهيلاً كاملاً، تم اختيارهم بنظام المقابلات الشخصية مع لجنة مختصة أفرزتها وزارة التربية والتعليم، وفق المعايير الأكاديمية والتربوية المعتمدة لديها، وتُدرِّس المواد الدراسية الأساسية وهي (اللغة العربية– اللغة الإنجليزية– الرياضيات– العلوم العامة)، كما هو مُعَمَّم على جميع النقاط التعليمية والمبادرات.  

هل المدرسة معتمدة؟ يُجيب "المصري": "سعينا للاعتماد من وزارة التربية والتعليم، بعد أن وجدنا أن المعايير التي تتبعها تنطبق تماماً على مستوى الجودة في مدرستنا، سيما أنَّ المدرسين تم اختيارهم عن طريق الوزارة، وكذلك ندرِّس الحزم التعليمية التي أقرَّتها الوزارة، بطريقة فعَّالة وأسلوب حيوي، وبالتالي فإن أمر الاعتماد ما هو إلا تحصيل حاصل".

ويتابع: "المرحلة الحالية ستكون الدراسة فيها لمدة 3 أشهر، ثم يُرَفَّع الطالب آلياً للمرحلة الصفية اللاحقة"، لافتاً إلى أن: "مشروع مدرسة ساعد لا ينحصر في تلك المدة، بل سنستمر فيه ونطوره حتى نهاية الحرب وانتظام المدارس والعملية التعليمية".  

وتُواجه مدرسة "ساعد" العديد من التحديات المادية واللوجستية، أبرزها عدم القدرة على توفير القرطاسية والوسائل التعليمية "كالسبورة والطاولات والمقاعد الدراسية"، بسبب إغلاق المعابر وعدم توفرها في غزة، كما أن أسعار طباعة الرزم التعليمة وتصويرها باهظة الثمن وتحتاج مبالغ "فلكية".

وأمام تلك التحديات، لجأت المدرسة إدارة المدرسة إلى حلول عملية، يقول مدير المدرسة "كامل المصري": "لجأنا إلى استخدام الهواتف الذكية كبديل عن الطباعة، بحيث زودنا المعلمين بالرزم التعليمية إلكترونياً، وأوعزنا إلى أولياء أمور الطلبة بتحميل تلك الرزم عن طريق موقع وزارة التربية والتعليم، إلى جانب توفير دفتر وقلم لكل طالب كحد أدنى، كما وفَّرنا طاولات أرضية مؤقتة، في انتظار تأمين مقاعد تليق بالطلبة".

في الإطار، يتفانى معلم الرياضيات بتعليم طلاب الصف الرابع الحساب، إذ يَخطُّ المعادلات على السبورة، وينشغل الطلبة بكتابتها وفهمها، فيما يتنقل معلم العلوم العامة، بشغفٍ، بين طلبة الصف السادس، ليسرد لهم المعارف عن الكائنات الدقيقة وتركيب الخلايا والنباتات، ومتابعة تحصيلهم وإنجازهم التعليمي من خلال طرح الأسئلة والنقاش البنَّاء. 

ولا تقتصر أنشطة مدرسة "ساعد" على التعليم الأكاديمي فقط، بل تخصص حصصاً للدعم النفسي، وتُنظِّم مسابقات ثقافية، تهدف إلى تخفيف الضغط النفسي الذي يتعرض له الطلاب، إضافة إلى نشاطات ترفيهية تساعدهم على مواجهة آثار الحرب، "نحن ندرك أن التعليم وحده لا يكفي؛ فالأطفال يحتاجون لدعم نفسي وترفيهي يساعدهم على التعامل مع صعوبات الحرب، كما أوضح المصري.

في ساحة المدرسة، تُنظَّمُ الأنشطة الترفيهية والرياضية والعلمية أثناء فترة الاستراحة، بين الحصص الدراسية، وهي أوقاتٌ تُخصصُ لاكتشاف مواهب الطلبة وتعزيز القيم لديهم، وتعلو في هذه الأنشطة الابتسامات التي تضيء وجوه الأطفال، وكأنهم يتنفسون بضع لحظات من الأمل بعيداً عن أجواء الحرب.

وعن تطلعات إدارة المدرسة، يُوضح “المصري“: “نسعى إلى توسيع نطاق المشروع ليشمل مراحل دراسية أعلى، وتطوير قدرات الطلبة رغم الحصار والحرب، وستظل مدرسة ساعد منارةً للتعلم والصمود، تجسد حلم كل طفل بالعلم والمعرفة، وتبعث برسالة واضحة أن الأمل لا يُهزم مهما اشتدت ظروف الحرب“.

إحصائيات وزارة التعليم

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي، إن 11,923 طالباً استُشهدوا و19,199 أصيبوا بجروح، منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين أول عام 2023، على قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.

وأوضحت الوزارة، في بيان صحفي وصل "شمس نيوز"، أن عدد الطلبة الذين استُشهدوا في القطاع، منذ بداية العدوان وصل إلى أكثر من 11,808، والذين أصيبوا 18,596.

وأشارت إلى أن 561 معلماً وإدارياً استُشهدوا وأُصيب 3729 بجروح، واعتُقل المئات منهم في غزة والضفة، ولفتت إلى أن 341 مدرسة حكومية وجامعة ومباني تابعة لها، و65 تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، تعرضت للقصف والتخريب في غزة، ما أدى إلى تعرض 138 منها لأضرار بالغة، و77 للتدمير بالكامل.

وأكدت الوزارة أن 788 ألف طالب في القطاع ما زالوا محرومين من الالتحاق بمدارسهم وجامعاتهم منذ بدء العدوان، فيما يعاني معظم الطلبة صدمات نفسية، ويواجهون ظروفاً صحية صعبة.

اخترنا لكم: بالصور|| قصف و"كواد كابتر" ونزوح.. حكاياتٌ مرعبةٌ لجحيم الحرب في مخيم النصيرات

اخبار ذات صلة