قائمة الموقع

خبر البنك الدولي من صناعة الفقر إلى صناعة الفتنة

2015-05-24T09:16:45+03:00

 بقلم/ محمد أبو مهادي

من المتوقع أن يقوم البنك الدولي بعرض تقريره حول الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة أمام لجنة تنسيق المساعدات الدولية التي ستعقد اجتماعها في بروكسل الأربعاء 26 مايو 2015 ، بعد أن أشار في تلخيص إعلامي قصير أن نسبة البطالة في غزة قد ارتفعت إلى 44% في العام 2014 واعتبرها النسبة الأعلى في العالم، وأن أكثر من 39% من إجمالي السكان في قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر، معتبراً أن الحصار الذي تقوم به إسرائيل وتشارك فيه مصر هو السبب في ذلك.

بالرغم من أن أرقام البنك الدولي تتعارض مع تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني التي تحدثت عن بطالة بلغت نسبتها 47.4% في الربع الثالث من العام 2014 أي بفارق 3.4% عن تقرير البنك الدولي، وتتعارض مع ما جاء من نتائج تقرير مشترك صدر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ومنظمة الأغذية والزراعة ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي وتحدثت عن "انعدام" الأمن الغذائي لأكثر من 57% من سكان قطاع غزة قبل الحرب الأخيرة على غزة في العام 2014، مما يؤشر أن الرقم سيقفز إلى معدلات أكبر بعد الحرب وأن الفقر هو أعلى بكثير مما تحدث عنه تقرير البنك الدولي وبالمتوسط العام يقدر حوالي 80% من إجمالي سكان قطاع غزة حسب تقارير أكثر من جهة بحثية ودولية.

وإذا تجاوزنا الخلل المهني في تقرير البنك الدولي لا يمكننا إغفال التوظيف السياسي لهذا التقرير، فهو يوجه إتهاماً لجمهورية مصر العربية بأنها شريك للاحتلال الإسرائيلي في فرض الحصار على قطاع غزة، ولم يوضح شكل وكيفية شراكتها، بعد أن أغفل دورها الهام في عقد مؤتمر الإعمار الذي دعت إليه مصر عقب الحرب على قطاع غزة وجندت فيه أموال لصالح الإعمار في قطاع غزة، جرى اقتطاع نصفها لصالح دعم موازنة السلطة ، وتمّ تعطيل عملية الإعمار لأسباب مختلفة منها تعقيدات خطة "روبرت سيري"  لمراقبة الإعمار، وتخلف المانحين وأبرزهم "إمارة قطر" عن دفع مبلغ مليار دولار وهو المبلغ الأكبر في هذا المؤتمر، واشتراطات الاستقرار واستئناف المفاوضات بين السلطة وإسرائيل حتى يتمكن المانحين من الإيفاء بتعهداتهم المالية، إضافة لتأخر عمل حكومة الوفاق الوطني في قطاع غزة التي حصر البنك الدولي المشكلة فيها إلى جانب الحصار وإسرائيل ومصر.

تقرير البنك الدولي يهمل تماماً دور بروتوكول "باريس الاقتصادي" الموقعة في نيسان 1994 الذي  ساعد في تكريس هيمنة إسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني وجعل أكثر من 85% من العلاقات الاقتصادية الفلسطينية مرتبطة باقتصاد إسرائيل ومن خلال المعابر الفلسطينية المرتبطة بإسرائيل، ويدرّ دخلاً سنوياً على الخزينة الإسرائيلية ما لا يقل عن 300 مليون دولار من الضرائب وحدها، ويضع قيوداً على حركة الاستيراد من الخارج ويشترطها بتعرفة جمركية متساوية مع الاحتلال رغم الفارق الكبير في مستويات الدخل والمعيشة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إضافة إلى الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي تفرض على سكان غزة من حكومتي رام الله وغزة آخرها كانت ضريبة التكافل الاجتماعي التي فرضها نواب المجلس التشريعي عن حركة حماس.

إضافة لما سبق، يتجاهل البنك الدولي عن سبق إصرار الزيادة المضطردة لمعدلات الفقر والبطالة منذ تشكيل السلطة الفلسطينية حتى الآن، وأن تمديد المرحلة الانتقالية وتأخر قيام الدولة الفلسطينية هو السبب الرئيسي وراء الكارثة المعيشية التي يتعرض لها الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، فالحصار وبناء الجدار وتعطل الإعمار ومصادرة الأراضي والاستيطان هي مظاهر وممارسات احتلال تنتهي بانتهاء وجوده على الأرض، وأن فرص التنمية والتطور الاقتصادي لا يمكن أن تتحقق بوجود الاحتلال وسلطة تحت الاحتلال تنفق حوالي 40% من أجمالي موازناتها منذ  أن تأسست حتى الآن على أجهزة أمن وظيفتها حماية المستوطنين والبطش بأبناء الشعب الفلسطيني- لا يوجد حكومة في العالم تنفق هذه النسبة على أجهزة الأمن، مما يعني أن هذا الإنفاق يأتي على حساب التنمية والقطاعات الأخرى كالتعليم والصحة والزراعة ودعم المشروعات الصناعية وحماية الفئات المهمشة والفقيرة.

البنك الدولي مؤسسة عالمية مليئة بالعقول الاقتصادية، وتقريره الصادر بهذه الإستخلاصات هو تقرير تضليلي لا يبحث في أسباب المشكلة ويقفز عنها، جميعهم يدركون أن بقاء الاحتلال هو المعطل لكل فرص الحياة عند الفلسطينيين، وتقرير سياسي غرضه وضع جمهورية مصر العربية في موقف حرج مع الشعب الفلسطيني ومع مواطنيها، والاستمرار في هذا التضليل يؤدي إلى بقاء الأزمات الكارثية التي يعيشها الشعب الفلسطيني بفعل الاحتلال وينظّر لحل سياسي منقوص قد يكون في غزة، يحافظ على ديمومة الاحتلال ويعالج مشكلات الفلسطينيين بالقطعة كما يجري مع غزة بالرغم من حدة الكارثة فيها، وليس في إطار تصور شامل ومراجعة لنتائج اتفاق أوسلو بعد تجربة عمرها عشرون عام.

 المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه

[email protected]

 

اخبار ذات صلة