يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد جرادات، أن إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال ضد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير جيشه المُقال يوآف غالانت، يأتي نتيجةً لمستوى الوحشية الذي وصلت إليها "إسرائيل" خلال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م، وتنفيذ حملة تطهير عرقي وتجويع السكان وتهجيرهم ونسف بيوتهم وتدمير كل أشكال الحياة في القطاع.
ويعتقد جرادات لـ"شمس نيوز"، أن هذا القرار يُمثل خطوة رمزية تكشف عزلة "إسرائيل" دولياً وتعزز الضغوط على الشركات والمؤسسات العالمية لمراجعة تعاملاتها معها بصفتها كياناً مجرماً، رغم تأخره لأكثر من 412 يوماً منذ بدء حرب الإبادة على غزة واشتداد وتيرها في جباليا وبيت لاهيا شمال القطاع لتنفيذ خطة الجنرالات، والعدوان الوحشي على لبنان.
وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، امتثالاً لطلب سابق للمدعي العام للمحكمة، كريم خان، بتهمة ارتكابهما جرائم حرب بغزة.
وقالت "الجنائية الدولية"، في بيان لها، إن "هناك أسباباً منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت ارتكبا جرائم"، مؤكدةً أنها رفضت الطعون المقدمة من قبل "إسرائيل" بشأن مذكرات الاعتقال.
وتشمل التهم الموجهة إلى نتنياهو وغالانت "التحريض على الإبادة، واستخدام المجاعة كوسيلة حرب، بما في ذلك عرقلة إمدادات الإغاثة الإنسانية، بالإضافة إلى استهداف المدنيين عمداً خلال النزاع".
وأوضح جرادات أن تلك الجرائم المرتكبة في غزة ولبنان والضفة الغربية صدمت العالم، مما دفع المؤسسات الحقوقية الدولية كمحكمتي العدل والجنائية الدوليتين للتحرك، مضيفاً أن: "العالم اليوم أمام سؤال كبير يتعلق ليس فقط بالقانون الدولي، بل أيضاً بالضمير الإنساني، الذي أصبحت شعوب العالم، بما فيها شعوب أوروبا وأميركا ترفض تجاهله".
واستبعد جرادات أن يكون هناك ارتدادات مباشرة لقرار الجنائية الدولية على الأرض في غزة، مبيَّناً أن تأثيره سيكون محدوداً جداً بنسبة 5-10%، وسيظهر بشكل جلي في القضايا الإنسانية والغذائية من خلال زيادة عدد شاحنات المساعدات وإدخال الأدوية وإيفاد الأطباء الدوليين للمشافي وهكذا، إلا أنه شدَّد على أن الأثر الأكبر سيظهر على المدى البعيد من خلال عزل القيادة الإسرائيلية دولياً بسبب ارتكابها من الجرائم الوحشية.
وقد يُخرج هذا القرار الدولي، القيادة الإسرائيلية عن طورها، وفق ما يقوله المحلل جرادات، لتمعن أكثر في حرب الإبادة، وتُصدر قرارات سياسية تتعلق بالضفة الغربية كردة فعل، ولكنَّ القرار، من وجهة نظره، يُمثل نقطة تحول في عزل إسرائيل دولياً وفضح ممارساتها الوحشية، وهو ما سيؤدي إلى تداعيات كبيرة على المدى البعيد.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
أما بالنسبة لتأثير القرار على المقاومة الفلسطينية، أشار جرادات إلى أنه "رغم شمول القرار للقائد في المقاومة محمد الضيف، إلا أنه لا يقدم ولا يؤخر شيئاً في نشاط المقاومة، لأنه قائد فصيل فلسطيني ولا يتحرك مطارات ووفود رسمية ولا يملك حصانة دبلوماسية، بعكس "إسرائيل" التي تحاول الظهور كدولة، وتتحرك في العالم بهذه الصفة، وبالتالي فإن هذا يمثل اهتزازاً كبيراً لها، وسيكون له تبعاته وأصداؤه وارتداداته الكبيرة عليها على المستوى البعيد.
وعن الموقف الأميركي، أشار إلى أن النخبة الحاكمة الملتهمة للإرادة الشعبية الأميركية والأوروبية وقفت فاشلة وعاجزة أمام منع إصدار هذا القرار، واستبعد -في السياق ذاته- أن تفرض الإدارة الأميركية الحالية عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، لكنه أشار إلى احتمال اتخاذ إجراءات أميركية معادية للمحكمة وفرض عقوبات على مدعيها العام كريم خان، بعد تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب وتقلده مقاليد الحكم رسمياً في 20 يناير المقبل، سيما وأنه كان قد فرض عقوبات على منظمات أممية ودولية وحقوقية عدة، مثل اليونسكو، خلال فترة ولايته الأولى (2016-2020).
ومع ذلك، يشدد جرادات على أن أوروبا، وخصوصاً ألمانيا وكندا، مضطرة للحفاظ على المحكمة باعتبارها تمثل ما تبقى من روح الحضارة الغربية.
وفي 20 أيار/ مايو الماضي، أعلن "خان" أن المحكمة الجنائية الدولية تسعى لإصدار مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، ويوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بقطاع غزة.
ونهاية أغسطس/ آب المنصرم، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، من المحكمة اتخاذ "قرار عاجل" بشأن طلبه إصدار "مذكرة اعتقال" ضد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش آنذاك يوآف غالانت.
وفي أول رد له على مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه، اتهم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المحكمة الجنائية الدولية بـ"معاداة السامية".
وقال نتنياهو في بيان صادر عن مكتبه إن "القرار المعادي للسامية الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية يمكن مقارنته بمحاكمة دريفوس، وسينتهي بالطريقة نفسها"، في إشارة إلى قضية النقيب اليهودي دريفوس الذي "أدين ظلما" في القرن التاسع عشر بالخيانة في فرنسا.
وزعم نتنياهو: "ليس هناك أعدل من الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023"..
وأكد أنه "لن يستسلم للضغوط ولن يتراجع ولن ينسحب من قطاع غزة إلا بعد تحقيق جميع أهداف الحرب التي حددتها إسرائيل في بداية الحرب".
من جهتها، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامار، إن نتنياهو، المستهدف بمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، "بات ملاحقاً رسمياً".
وأضافت العفو الدولية في بيان، أنه بعد صدور مذكرات التوقيف بحق نتنياهو ووزير جيشه السابق غالانت، "يجب على الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية والمجتمع الدولي برمته أن يفعلوا كل ما في وسعهم لضمان مثول هؤلاء الأشخاص أمام قضاة المحكمة الجنائية الدولية المستقلين والمحايدين".