"حليمة الكفارنة": أم تُصارع الأمواج لحماية أطفالها"
الزعانين: من صاحب محل إلى نازح يبحث عن النجاة"
عاطف وارشاغا: مأساة ثلاث زوجات وأطفال غرقى في البرد
لجأت السيدة حليمة الكفارنة إلى خُصٍ صغير خلف ستار خيمتها محاولة إشعال النار حيث فشلت بسبب شدة الرياح، خيمتها تبتعد عن مياه البحر أمتارًا قليلة، فقد كان صوت هدير البحر قويًا؛ والسماء تلبدت بالغيوم، وبدأ رذاذ الأمطار يسقط على الأرض، ودون سابق إنذار أثناء إمساك -غلاية الشاي- غاصت أقدامها بأمواج البحر؛ لتصرخ من أعماق قلبها "أولادي!".
أسرعت حليمة نحو خيمتها؛ لتجد مياه البحر قد أتت على جميع ممتلكاتها فلا أدوات مطبخ ولا حرامات ولا فرشات ولا شوادر تسترها، وسقطت عينها مباشرة إلى فرشة رضيعها شادي لتخفق دقات قلبها بشدة عندما وجدته خارج الخيمة حيث حاولت أمواج البحر ابتلاعه.
بصعوبة أنقذت حليمة (33 عامًا) رضيعها شادي وأبناءها في ساعات الليل، لتبيت ليلتها الباردة جدًا على الأسفلت، تقول لمراسل "شمس نيوز": "نزحنا من بيت حانون في السابع من أكتوبر 2023 إلى تل السلطان غرب مدينة رفح وبعد اقتحام جيش الاحتلال لرفح نزحنا إلى دير البلح؛ ولم نجد مكانًا فارغًا سوى شاطئ البحر".
واتخذت حليمة وزوجها أبو المجد وأبناؤها الستة من شاطئ البحر مسكنًا لهم في ظل انعدام توفر أماكن فارغة في دير البلح بسبب تقليص الاحتلال الإسرائيلي للمناطق التي يزعم أنها آمنة، تشير حليمة إلى أنها حاولت شراء ما يلزم خيمتها من أدوات للمطبخ أو ملابس وفراش وأغطية للأطفال في الليل البارد بأسعار خيالية.
وأضافت حليمة وهي تحتضن طفلها شادي: "غادرنا شمال غزة بدون ما نأخذ ملابسنا، أو ما نحتاج كنا نعتقد أن الحرب لن تطول كثيرًا"، ولم تتوقف عند هذا الحد حيث تشير بإصبعها هذا الطفل الرضيع ولِدَ قبل الحرب بشهر، والآن لا يحظى الرضيع باعتراف أي مؤسسة أو الوكالة بأنه من مواليد الحرب، متسائلة كيف سأحمي طفلي الرضيع من البرد القارص؟".
أصيب رضيعها شادي بأعراض البرد من رشح وزكام لا يتوقف، فلم يبقَ له أي ملابس تقيه البرد خلال الأيام القادمة فقد غرقت جميعها في مياه البحر، تقول حليمة: "المياه التي أغرقتنا ليست مياه البحر فقط إنما مياهُ عادمة فكل مياه دير البلح العادمة تصب في هذا المكان".
ولم تقف المعاناة عند هذا الحد فقط إنما تشعبت المعاناة كثيرًا فلا مكان يُؤي العائلة ولا خيمة تقيها من البرد في هذه الأثناء تقول لمراسل "شمس نيوز" والألم يعتصر قلبها: "وين أروح؟ لا يوجد لي مكان آخر الآن، وحتى إن حاولت بناء خيمة جديدة، وين أعملها؟ من سيدفع ثمنها؟ كل مسمار في الخيمة سعره غالٍ جدًا"، يحتاج النازح في هذا الوقت أكثر من 2000 شيكل تقريبًا (600 دولار) لبناء خيمة صغيرة من النايلون والشوادر، باستثناء ما يلزمها من فراش وحرامات وملابس.
وتسببت الرياح العاتية في اقتلاع خيام النازحين على شاطئ البحر جنوب قطاع غزة، أما مياه البحر فقد ابتلعت ما تبقى من خيام، مما زاد من معاناة النازحين في ظل ظروف إنسانية قاسية؛ فالنازحون لجأوا إلى الشاطئ هربًا من القصف؛ لكنهم الآن يواجهون برد الشتاء دون مأوى، وسط غياب المساعدات اللازمة لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
وعلى يسار حليمة الكفارنة يحاول المواطن عبد الهادي الزعانين (39 عامًا) إزالة المياه التي غمرت خيمته وأتت على كل ممتلكاته من أوانٍ وملابس يقول: "غادرت مدينة بيت حانون مع زوجتَيْ الاثنتين وأبنائي العشرة على وقع القصف والدمار منذ السابع من أكتوبر 2023 ولم أجد نفسي بعد عدة حالات نزوح إلا على شاطئ بحر دير البلح".
اتخذ الزعانين وزوجتاه وأبناؤه من شاطئ البحر مكانًا لهم ليستقروا بعيدًا عن القصف الإسرائيلي يقول: "لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة لكن شاطئ البحر أقل خطورة من أي مكان الأمر الذي دفعني للسكن على الشاطئ علاوة على ذلك لم أكن أعلم أن الحرب ستطول لهذه المدة الزمنية".
الزعانين هو صاحب محل لبيع الملابس سابقًا يقول: "كنت صاحب محل كنت بعيش بهدوء وأمن وأمان كنت مبسوط اكتير في حياتي؛ لكن بعد حرب الإبادة الإسرائيلية انقلبت حياتي وأصبحنا مهزلة وفرجة للناس"، متسائلًا: "أين الإنسانية؟ أين حقوق الإنسان؟ أين البشر؟ من سيعوضنا؟ أين نذهب يا عالم؟".
اشتدت معاناة الزعانين كثيرًا عندما تفاجأ بالمياه وهي تغمر خيمته وتسحب أبناءه الصغار نحو البحر، كان مشهدًا مرعبًا وكابوسًا لم يستوعبه الزعانين مطلقًا ولم يستفق؛ إلا على صراخ ابنته وهي تناشد والدها: "الحقني يا بابا أنا بغرق!".
هجم الزعانين على ابنته بأسرع وقت وقام بنقلها مباشرة إلى مكانٍ مرتفع ولم يجد نفسه؛ إلا على الطريق السريع -الأسفلت- يقول: "يا الله، والله بكفي اتعبنا وين انروح يا عالم؟ والله بطل معنا فلوس نعمل خيم، الأسعار الموجودة نار".
ومن أعماق قلبه أخرج الزعانين صرخة مدوية يتمنى أن يلتقطها العالم لإنقاذ أهل قطاع غزة من الموت وهم على قيد الحياة، "أين نذهب يا عالم؟ ولا حد سائل عنا، ولا حد مدور علينا، أين المسؤولون؟".
وعلى يمين الزعانين يرفع النازح عاطف وارشاغا (50 عامًا) كفيه وهو مدمع العينين، إلى عنان السماء يستصرخ: "يا الله أوقف المطر فقد غرقنا ومتنا وما حد مدور علينا".
أدار عاطف قدميه حول المكان الذي كان يحتوي على خيمته يقول: "كان لي هنا خيمة فيها زوجاتي الثلاث و11 طفلًا من أبنائي، كنت عايش في بيت لاهيا وأعيش مع زوجاتي، مبسوط وفرحان؛ لكن الحرب دمرت حياتنا".
واستشهد لعاطف ولدٌ يبلغ من العمر 11 عامًا كما استشهد زوج ابنته وبات يعيل كافة أفراد الأسرة في وضع اقتصادي صعب جدًا، وقد تفاجأ عاطف ليلة الأحد الاثنين (25 نوفمبر 2024) عندما غمرت مياه البحر خيمته واضطر مسرعًا للنزوح من خيمة أخرى على الشارع الرئيسي في ظل البرد القارص.
وناشد عاطف وجميع جيرانه النازحين على شاطئ البحر، العالم والأمم المتحدة وجميع المؤسسات والمنظمات والمبادرين للنظر بعين الرحمة إلى الوضع الاقتصادي الصعب، حيث سحبت مياه البحر الحرامات والفراش ولم يبقَ للنازحين على شاطئ البحر أي شيء.