بتؤدة وطمأنينة، تسير المحفظة “ندى المصري” (21 عاماً)، بين حلقات التحفيظ في مركز "فتيات القرآن"؛ لتستمع إلى تلاوة أكثر من 35 طالبة من مختلف الأعمار، وهُنَّ يَسردن القرآن الكريم كاملاً أو أجزاء منه على جلسة واحدة، في مركز التحفيظ، الذي أُنشئ داخل مصلى صغير من "النايلون" في منطقة جورة اللوت بمدينة خانيونس، بعد قصف الاحتلال "الإسرائيلي" المساجدَ المجاورة، خلال حربه المستمرة على قطاع غزة منذ 418 يوماً توالياً.
أثناء سيرها بين الحلقات، وقفت المحفظة "ندى" عند حلقة الطالبة “نور جودة” (18 عاماً)، التي حفظت القرآن الكريم كاملاً خلال فترة التحاقها بالمركز، وتستمع إلى تلاوتها المُحْكَمة وصوتها النديِّ، حيث فرغت "جودة" من سرد المصحف كاملاً بعد 6 ساعات متواصلة، وسط فرحتها الكبيرة بتقليد والديها تاج الوقار –وهو تاجٌ مرصعٌ بالألماس ذكره الرسول الكريم كجائزة ربانية لوالِدَي مَنْ يُتم أو تُتم حفظ القرآن كاملاً-، ثم تتابع مرورها إلى حلقة أخرى، حيث تستمع لسردِ “لما المصري”، (15 عاماً)، التي حفظت اثني عشر جزءاً خلال رحلتها في المركز، وتُثني عليها: “أنتِ على طريق النور، استمري يا لما، فكل آية تحفظينها تُنير دربك ودرب من تحبين”.
تقول لمراسل "شمس نيوز"، إن: "طالبات المركز اتخذن من القرآن الكريم منهجاً لحياتهنَّ، ويزرعُ في نفوسهنَّ الإيمان والتقوى والصبر في ظل هذه الحرب، وإن أكثر من 35 طالبة أتممن بتفوق وإتقان سرد أجزاء متفرقة من القرآن الكريم، تلاوةً، وتجويداً، وفهماً، وتدبراً".
"ندى كامل المصري”، من مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، طالبة في كلية الصيدلة بجامعة فلسطين، أنهت حفظ القرآن الكريم قبل شهر واحد فقط من بدء الحرب، ورغم حداثة سنها وحفظها، أصبحت واحدة من محفظات مركز “فتيات القرآن” التابع لـ"دار الإتقان"، وكرَّست وقتها في تحفيظ طالبات الحي والنازحات، مُستفيدةً مما اكتسبته من دورات دينية في أحكام التجويد العليا والتأهيلية.
يضم "مركز فتيات القرآن"، الذي أنشئ في حي جورة اللوت بمدينة خانيونس، في شهر مايو من العام الجاري، بعد رحلة النزوح القسرية من مدينة رفح، أكثر من 200 طالبة من مختلف الفئات العمرية، وخلال تلك المدة القصيرة -حوالي 6 أشهر- استطاعت 9 طالبات حفظ كتاب الله كاملاً وسَرَدْنَهُ على جلسة واحدة.
في زاوية آخرى من زوايا المصلى، تقود المحفظة "لينا جودة" (28 عاماً)، وهي حاصلة على السند المتصل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حلقةً أخرى من حلقات التحفيظ، إذ لم يمنعها تخصصها الجامعي "الرياضيات"، من تحفيظ "الفتيات" القرآن الكريم وتعليمهنَّ أحكامه.
وتشهد حلقات القرآن الكريم إقبالاً كبيراً وانضباطاً واضحاً من الفتيات بمختلف أعمارهن، في ظل توقف العملية التعليمية والانقطاع الجبري عن الدراسة بسبب الحرب، ويتنافسن فيما بينهنَّ، إذ إن معيار التفاضل هنا هو "مقدار الحفظ والفهم".
تقول الطالبة "فرح شراب" (20 عاماً)، وهي تمسك دفتي المصحف بين يديها، إنها وجدت "في حلقات القرآن ملاذاً آمناً يبعدنا عن مشاهد الخوف والدمار وأصوات القذائف والصواريخ والطائرات الحربية”.
وتتفق الطالبتان "ديما أبو محسن و"مريم المصري" مع سابقتهما، إذ توضحان أن: "القرآن الكريم هو النور الأقوى الذي نواجه به ظلام الحرب، وهو الحصن الذي نلجأ إليه لنستمد منه الصبر على هذه الشدائد".
ولا تقتصر هذه الحلقات على تحفيظ القرآن الكريم وتلقينه فحسب، بل يُنظِّم فيها دوراتٌ في تفسير أجزاء من القرآن الكريم، وأخرى في أحكام التجويد التمهيدية، وهو الأمر الذي يساعد فتيات المركز على فهم معاني الآيات وإتقان التلاوة؛ ليُشكِّل بذلك بيئةً تعليميةً وتربويةً متكاملة؛ لتقويم سلوكهنَّ، وتعزيز مكارم الأخلاق والقيم الفضلى.
وقالت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي دمر خلال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها منذ السابع من أكتوبر 2023م، قرابة 1000 مسجد من أصل 1200 مسجد في قطاع غزة.
ووفق إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن 819 مسجداً دمرها الاحتلال بشكل كلي، و135 مسجداً دمرها بشكل بليغ وبحاجة إلى إعادة ترميم.