قائمة الموقع

خبر الجارديان: أموال قطر تشتري بقاءها

2015-05-25T13:36:55+03:00

تقرير: الجارديان

كانت الاستراتيجية المتعمدة لحماية أمنها على المدى الطويل، هي التي دفعت قطر الدولة الخليجية الصغيرة للاستثمار بكثافة في المملكة المتحدة؛ إذ تبين في الأسبوع الماضي أن العائلة الحاكمة قد اشترت عقارًا آخر في أرقى أحياء لندن، وهو منزل فيكتوريان بحي مايفير غرب لندن، في مقابل 40 مليون يورو.

وتأتي هذه الخطوة بعد الاستثمارات الهائلة التي بثتها قطر للاستثمار في الموارد البريطانية بما في ذلك محلات هارودز، وبرج ذا شيرد، وسينسبري، وباركليز، وسوق الأوراق المالية. كما تسعى قطر للسيطرة على  حي كناري وورف، في حين يبدو المستثمرون القطريون مفتونين بشدة بالمملكة المتحدة؛ إذ يمتلكون غالبية الحصص في كل من فنادق كلاردج وفنادق ذا كونوت وذا بيركلي.

وقد تم ضخ هذه الاستثمارات جزئيًا بسبب أن المملكة المتحدة ترحب ترحيبًا خاصًا بالمستثمرين الأجانب، وتوفر لهم بيئة تنظيمية جيدة وتعهدات بعوائد مالية ضخمة على الاستثمارات. ولكن هناك بعد آخر للمسألة، حيث تأمل قطر في أن تكون مكانتها البارزة في اقتصاديات الدول المؤثرة تجعل هذه الدول تنظر إلى أمن واستقرار قطر باعتباره أولوية قصوى لها. وحيث يبلغ عدد سكان قطر 250000 نسمة فقط، فإنها ببساطة أصغر من أن تحمي أمنها بمصداقية، وتقوم بالاعتماد على شراكاتها مع دول الخليج المجاورة وعلاقاتها مع الحلفاء الدوليين.

وتواجه قطر العديد من التهديدات التي تواجه دول الخليج الأخرى نفسها؛ مثل: توسع النفوذ الإيراني، والعناصر الجهادية داخل وخارج حدود الدولة، وتهديد عدم الاستقرار جراء الحروب في سوريا وليبيا واليمن والعراق. ولكن، قطر قامت بتخطيط مسار مستقل فيما يتعلق بإدارة أمنها. وحرصًا على مواجهة الدور المهيمن للمملكة العربية السعودية في مجلس التعاون الخليجي؛ فقد شاركت بشكل فاتر في المشاريع الأمنية المشتركة.

وفي الوقت نفسه، حاولت قطر الحد من التهديدات المحتملة عن طريق بناء علاقات مع الفاعلين الذين تجنّبهم مجلس التعاون الخليجي بشكل تقليدي؛ إذ تمتلك علاقة عمل جيدة مع إيران على سبيل المثال، وتميل إلى عدم انتقادها بشكل علني. كما أنهما يتشاركان أكبر حقل للغاز في العالم، واستمرا في مواصلة الإنتاج المتزامن في هذا الحقل مع عدد قليل من الخلافات.

وفي عام 2010، وقّعت قطر مذكرة تفاهم مع إيران لزيادة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وأطلقا بعض التدريبات البحرية المشتركة عى نطاق ضيق في الخليج. وفي حين تستمر قطر في الإعراب عن قلقها بشأن الدور الإيراني الضار في المنطقة؛ إلا أنها تأمل أن علاقتها مع إيران تجعلها أقل عرضة للتهديد المباشر من قبل إيران.

حتى أثناء هجوم إسرائيل عام 2008 على غزة، تمتعت قطر بعلاقات قوية مع إسرائيل. واستضافت الدوحة البعثة التجارية الإسرائيلية الوحيدة في منطقة الخليج وواصلت الاستثمارات الإسرائيلية في الوقت التي استمرت فيه بدعم كل من السلطة الفلسطينية وحركة حماس. وقد قامت قطر أيضًا بتطوير علاقات مع الحركات الإسلامية المزدهرة في جميع أنحاء العالم، وخاصة مع جماعة الإخوان المسلمين؛ تقديرًا منها للتعاطف الكبير الذي تتمتع به هذه الحركات في كثير من بلدان العالم العربي والإسلامي، كما كانت قطر حريصة على بناء علاقات مع قادة المستقبل المحتملين.

ولطالما شعرت المملكة العربية السعودية بالإحباط تجاه ما تعتبره انشقاقًا لسياسة قطر الخارجية ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين الذي أدى إلى شقاق منقطع النظير بين دول مجلس التعاون الخليجي في مارس من العام الماضي؛ حيث قامت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بسحب سفرائهم من الدوحة. ويتم النظر إلى جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها تهديدًا خطيرًا للعديد من دول الخليج؛ لأنها تنظر إلى الشرعية الدينية من منظور يقوّض دعوات أنظمة الخليج الخاصة بالشرعية. ويمكن أن نقول إن قطر قد سلكت نهجًا بعيد النظر بالنسبة لهذه المسألة: فعن طريق دعم حركات الإخوان المسلمين، كانت الأسرة القطرية الحاكمة قادرة على أن تصرف عنها الانتقادات من قبل الشخصيات الدينية الشعبية وأن تحظى بالقبول الشعبي من الفئات العربية المهمشة التي تدعم جماعة الإخوان المسلمين.

وبالإضافة إلى الاستثمارات التجارية الاستراتيجية، وسعيها لامتلاك نطاق واسع من العلاقات، أعطت قطر الأولوية لتطوير “طابع وطني خاص بها”؛ فعلى سبيل المثال، كانت الاستثمارات الهائلة في شبكة أخبار قناة الجزيرة محاولة للإشارة إلى قطر كمركز للصحافة المستقلة.

وعلى الرغم من أن شبكة الجزيرة كان لديها استعداد منقطع النظير لانتقاد حكومات الشرق الأوسط؛ إلا أنه يمكنها أيضًا أن تُتهم بالتحيز في العديد من القضايا، بما في ذلك صمتها النسبي على قمع المتظاهرين في البحرين. ولاتزال الجزيرة مصدرًا حقيقيًا للتأثير، ولكن هذا التأثير يمكن أن يتم تعزيزه بشكل أكبر إذا ما كان المذيعون الذين يقدمون الخدمة باللغة العربية مستعدين لتطبيق نفس قيم الاستقلالية التي يتم تطبيقها في الخدمة باللغة الإنجليزية.

كما سعت قطر أيضًا إلى أن تصنف نفسها كعضو نامٍ اقتصاديًا ومتقدمٍ تكنولوجيًا في المجتمع الدولي. وكان فوز الدولة بتنظيم استضافة بطولة كأس العالم لعام 2022 هو محور هذه الاستراتيجية. ولكن، عمليات التشهير قد ألقت بظلالها على ملف قطر؛ حيث ذكرت منظمة العفو الدولية الأسبوع الماضي أن العمال المهاجرين، وخاصة في مجال التشييد والبناء، لازالوا يتم استغلالهم من قبل أصحاب العمل، وبعضهم قد تم مصادرة جوازات السفر الخاصة بهم، وحجب رواتبهم، بالإضافة إلى الفشل في توفير ظروف عمل آمنة، والظروف المعيشية غير الصحية المروعة. كما تم إلقاء القبض على فريق عمل BBC أثناء إجرائهم تحقيقًا صحفيًا حول ظروف عمل العمال المغتربين وسجنهم لمدة ليلتين قبل أن يتم إطلاق سراحهم. وفي الوقت نفسه، دعا النشطاء الفيفا لإلغاء ملف قطر في تنظيم بطولة كأس العالم بسبب قوانين الدولة المضادة للشذوذ الجنسي.

وإذا ما أرادت قطر أن يتم تصنيفها من بين القوى الأكثر مصداقية وقيمة في الشراكة مع الغرب؛ فلابد أن تتعامل بطريقة شاملة مع الانتهاكات التي يتعرض لها العمال المهاجرون، وتقرر موقفها من القضايا الحاسمة مثل حرية الصحافة. وإذا ما كانت ترغب في أن تظل دولة ملكية ومع ذلك يُنظر إليها كقوة تقدمية سياسيًا في العالم، فيجب عليها بناء مؤسسات مستقلة، وإنشاء نظام قضائي عادل ونزيه، ووضع حزمة من القوانين تحمي بقوة حقوق جميع من يعيشون في الدولة وليس فقط مواطنيها المتجنسين.

اخبار ذات صلة