لم يمنع العدوان الصهيوني المتواصل على غزة منذ نحو 14 شهراً الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة من الاستمرار بملاحقة المقاومين والتضييق على المقاومة، ومتابعة القيام بمهام التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال، وكان آخرها اقتحام مخيم جنين واغتيال مقاومين تابعين لكتبية جنين – سرايا القدس، وقتل مدنيين أبرياء، منهم أطفال.
ويثير سلوك أجهزة السلطة تساؤلات عن حقيقة انخراطها في مشروع الخطة الأمنية التي طرحتها الولايات المتحدة في فبراير/ شباط 2023 التي سميت "خطة فنزل" على اسم المنسق الأمني الأميركي الجنرال مايكل فنزل الذي صاغها.
وكان فنزل أعلن الخطة الأمنية بعد اجتماع العقبة بالأردن تحت إشراف أميركي من طرف بيرت ماكرغك مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، وشارك فيه -وفق صحيفة يديعوت أحرونوت- مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربارا ليف.
وحضر من الجانب الصهيوني في وقتها تساحي هنغبي مستشار الأمن القومي، ورئيس الشاباك رونين بار، ومنسق عمليات الحكومة الإسرائيلية بالمناطق الفلسطينية اللواء غسان عليان، في حين شارك من الجانب الفلسطيني أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج، ومجدي الخالدي المستشار الدبلوماسي لرئيس السلطة.
وتهدف خطة فنزل الأمنية بحسب البنود التي نشرها الإعلام الإسرائيلي حينها لإعادة سيطرة القوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على شمال الضفة الغربية من أجل تهدئة التوتر بالمنطقة.
وقد أشارت القناة الإسرائيلية الـ14 إلى أن رئاسة السلطة وافقت على الخطة وخضعت لضغوط إدارة الرئيس جو بايدن، على أن يكون تنفيذ الخطة جزءا من إعادة إنتاج دور السلطة أمنيا، وتفعيل التنسيق الأمني إلى سابق عهده.
ضرب بنية المقاومة
تبني الخطة أهدافها -بحسب ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت- بإنهاء المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وتغيير توجهات السلطة الفلسطينية بحيث تصبح أكثر صلابة في التعاطي مع المقاومين الفلسطينيين.
كما تركز أهداف الخطة بحسب ما نشر عنها على ضرورة إنهاء السلطة الفلسطينية أي محاولات لفتح قنوات للتواصل مع عناصر المقاومة، بل العمل على ضرب بناهم التحتية والقضاء عليهم.
وتضمنت إعادة تدريب قوة خاصة من عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية قوامها 5 آلاف عنصر، تكون مهمتها مواجهة تشكيلات المقاومة في الضفة وكبداية في نابلس وجنين، بهدف إخضاعها وضرب بنيتها التحتية، وهو ما يجري بالفعل هذه الأيام وخاصة في مخيم جنين.
ورغم أن الخطة طابعها أمني وتهدف لاحتواء التصعيد في الضفة، فإنها حدث سياسي في جوهرها، إذ سيقرر على ضوئها "قضية سياسية أوسع هي مستقبل السلطة الفلسطينية"، بحسب موقع "والا" الإسرائيلي، الذي يرى أن كثيرا من وزراء الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية "يؤيدون القضاء على السلطة".
وكان موقع أكسيوس قد كشف أمس أن العملية العسكرية التي يشنها الأمن التابع للسلطة الفلسطينية في جنين حاسمة بالنسبة لمستقبل السلطة وهي رسالة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وأضاف الموقع أن رئيس السلطة محمود عباس، أمر قادة الأجهزة الأمنية بإطلاق عملية السيطرة على جنين ومخيمها لكن بعضهم أعرب عن تحفظاته، وهو ما جعله يتوعد من يخالف الأوامر بالفصل.
وكشفت المصادر أن مساعدي عباس أطلعوا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومستشاري الرئيس المنتخب ترامب مسبقا على عملية جنين، وأن المنسق الأمني الأميركي مايك فنزل اجتمع بقادة أمن السلطة قبل العملية لمراجعة خططهم.
كما طلبت إدارة بايدن من الكيان الصهيوني الموافقة على المساعدة العسكرية الأميركية لأمن السلطة بالضفة، بهدف دعم عمليتها الواسعة في الضفة الغربية.
وطلب السفير والمنسق الأمني الأميركيان من إسرائيل الموافقة على تسليم المعدات والذخائر للسلطة وهو طلب لم تجب عليه إسرائيل إلى الآن حسب تصريح الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد المقرب من الأميركيين لموقع "والا" العبري.
وبينما تقول السلطة الفلسطينية إن ما يحدث في جنين حملة أمنية تستهدف الخارجين عن القانون نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن دافع عملية جنين الأساسي هو توجيه رسالة إلى ترامب بأن السلطة شريك موثوق به.
في المقابل، قال الناطق باسم كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي- إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تريد جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة من دون سلاح مقاومة.
وشدد الناطق باسم كتيبة جنين، على أن "بوصلة المقاتلين واضحة وهي ضد الاحتلال فقط"، وأنهم تبنوا المقاومة عن الضفة كاملة.
واندلعت اشتباكات في مخيم جنين، السبت الماضي، بعد قيام أجهزة أمن السلطة بما سمتها عملية "حماية الوطن"، وأسفرت عن استشهاد القيادي في كتيبة جنين يزيد جعايصة المطارد من الاحتلال الإسرائيلي، واستشهاد عدة مدنيين برصاص أفراد أمن السلطة.