تتجول "أم يوسف إبراهيم" بعينيها يُمنة ويسرة داخل أحد المحال التجارية في سوق دير البلح وسط قطاع غزة؛ لتفحص بعض الملابس الشتوية ذات المقاسات الصغيرة؛ وبعد نحو (5 دقائق) من تجولها ارتسمت علامات الأسى والحسرة على وجهها عندما أبلغها البائع عن الأسعار، تقول بألم: "والله نار أجساد أطفالنا ستشعر بالبرد كثيرًا هذا العام".
خرجت أم يوسف وسط ازدحام المارة بـ"خفي حنين"، وهي تأمل إيجاد بسطة أخرى للملابس الشتوية بأسعار تناسب ما تملكه من سيولة نقدية، تتمتم: "يا رب ألاقي محل ثاني رخيص الثمن"، إذ باتت الملابس الشتوية التي تقي من البرد القارس ضربًا من دروب الخيال، لأسباب متعددة أبرزها الأسعار الملتهبة وشح توفرها في الأسواق.
ويجد النازحون أنفسهم عاجزين عن تلبية رغبات أطفالهم وتدفئة أجسادهم الطاهرة، أمام أسعار الملابس التي لا تتناسب مع أوضاعهم الاقتصادية الصعبة تزامنًا مع مرور نحو (عام و3 أشهر) على حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة.
"أم يوسف إبراهيم" تُعيل (5 أطفال بينهم طفلين أقل من 7 سنوات)، وفقدت زوجها جراء غارة إسرائيلية وسط القطاع، تقول لمراسلنا: "كنا نمتلك محلات لبيع الملابس في غزة؛ لكن مع بداية الحرب نزحنا إلى الجنوب كغيرنا الآلاف من أبناء شعبنا، وخلال الشهور الماضية من الحرب استنفذنا كل أموالنا ولا نملك أي مصدر رزق خاصة بعد استشهاد زوجها".
وتُشير أم يوسف إلى أنها تشعر بالأسى في ساعات الليل وهي تنظر لأجساد أطفالها الصغار وهم يرجفون من البرد لعدم توفر الملابس التي تقي أجسادهم من البرد القارس، تقول: "نفسي اشتري لهم ملابس؛ لكن مش قادرة بسبب الأسعار المرتفعة جدًا".
وفي زاوية أخرى من السوق يتجول المواطن أبو أحمد حاملًا وجعه وقلة حيلته في محاولات يائسة للحصول على ملابس شتوية لأطفاله، يقول: "خرجت في الساعة الثامنة صباحًا لأبحث عن محل أو بسطة رخيصة الثمن لأتمكن من شراء ملابس شتوية لأطفالي الثلاثة، وفي كل مرة اتفاجأ بالأسعار المرتفعة جدًا".
يُشير بيده إلى "بلوزة شتوية"، قائلًا: "هذه البلوزة الصغيرة سعرها (90 شيكل نحو 25 دولارًا أمريكيًا)، فيما كانت قبل الحرب لا تتجاوز الـ (25 شيكل نحو 8 دولارات فقط)"، الفرق بين الأسعار نار لا يمكن قبوله، خاصة تزامنًا مع استمرار حرب الإبادة الجماعية وعدم توفر فرص عمل بين النازحين.
وشاهد مراسلنا أبو أحمد وهو يتجادل مع أحد الباعة في سوق دير البلح ويطالبه بمراعاته في الأسعار، يقول: "اعتبرني شاري لأولادك.. راعيني يا بن الحلال"؛ لكن صدمته كانت واضحة أمام تبرير البائع الذي قال: "الأمر ليس بيدي.. سعر الجملة مرتفع من التجار الكبار".
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
لا يختلف حال أبو أحمد عن حال أبو خالد المصري الذي مكث نحو (4 ساعات) يتنقل بين المحال التجارية والبسطات التجارية، باحثًا عن "جاكيت شتوي" لطفله مؤنس، يقول: "عثرتُ على جاكيت شتوي بعد فترة زمنية طويلة من البحث، لكنني تفاجأت بسعره".
بلغ سعر الجاكيت وفقًا لما قاله أبو أحمد: "سعر الجاكيت مقاس أطفال 6 سنوات، بلغ نحو (200 شيكل أي 57 دولارًا أمريكيًا)، هذا السعر كان بمثابة صدمة له، حيث تساءل بمرارة: "يعني أولادنا يموتوا من البرد بدل ما الأسعار مرتفعة هيك؟".
إن غلاء أسعار الملابس الشتوية ليس مجرد أزمة اقتصادية؛ بل هو انعكاس للكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة يوميًا. في ظل أوضاع مأساوية كهذه، يحتاج النازحون إلى دعم عاجل من المنظمات الإنسانية والإغاثية، وإلى تدخل دولي يضع حدًا لمعاناتهم ويوقف الحرب التي دفعتهم إلى هذا الواقع المرير.