يُواجه سكان جنوب ووسط قطاع غزة خطر تفشي مجاعة حقيقية، بعد أن أعلنت عدد من المخابز إغلاق أبوابها، بسبب شح الطحين ونقص إمداداته وارتفاع ثمنه بشكل خيالي، ما يُنذر بكارثة حقيقية ويُفاقم معاناة النازحين نتيجة حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة والمستمرة منذ السابع من أكتوبر (2023).
ووصل سعر كيس الدقيق الذي يزن (25 كيلوغرام) في أسواق جنوب ووسط قطاع غزة ما يربو عن 100 دولار أمريكي، وهو مبلغٌ باهظ لا تستطيع الأسر النازحة التي تعتاش بالأساس على طعام التكايا الخيرية، توفيره، بعد أن فقدت مصدر رزقها ودُمِّرت بيوتها، ما يفرض عليها معاناة جديدة فوق معاناة النزوح والقصف.
في سوق النصيرات وسط قطاع غزة، تبحث النازحة "أم ياسين"، علَّها تجد "بضعة كيلوجرامات" بسعر "معقول" من الطحين لإعداد الخبز في فرن طيني شيَّدته بمعاونة جيرانها النازحين في مخيم الإيواء، لكنها لم تجد وتُصدم على عتبة الأسعار الباهظة، إذ يبلغ ثمن الكيلو الواحد تقريباً أكثر من 40 شيكلاً، وهو مبلغ لا تستطيع توفيره أمام حجم النفقات الهائلة التي تحتاجها لشراء أساسيات الحياة في الخيمة.
تقول لمراسل "شمس نيوز" بنبرة مليئة بالأسى: "في بداية هذه الأزمة الخانقة اضطررت لشراء الطحين بالكيلو لتحضير خبز لعائلتي، واليوم بعد زيادة أسعار الطحين أصبحت أعود إلى الخيمة خالية اليدين، وأطفالي ينتظرون خبزاً لا أملك أن أصنعه".
وتضيف: "نحاول أن نقتسم ما توفر مع جيراننا، ولكن حتى ذلك لم يعد كافياً".
على مقربةٍ منها، تقول "أم محمد الحمارنة"، النازحة من حي الزيتون إلى مخيم النصيرات، والدموع تكاد أن تنهمر من عينيها، بسبب نفاد الطحين من خيمتها: "تعبنا من قلة الطحين وعدم مقدرتنا على شرائه حتى بالكيلو، وأطفالنا ينامون ببطون فارغة".
وتأمل "الحمارنة" أن يتم "إعلان تهدئة فورية والوصول إلى صفقة لوقف الحرب، وفتح المعابر لإدخال الطحين وحل أكبر أزمة شلَّت الجميع" -وفق وصفها-.
ولا يختلف المشهد في جنوب القطاع، كثيراً عن الوضع وسطه، فالأزمة واحدة، ولا زالت مشكلة عدم توفر الطحين وارتفاع ثمنه قائمة، رغم إمدادات وكالة الأونروا ومؤسسة الغذاء العالمي بكيس طحين طارئ، لكن هذا الكيس لم يطرق أبواب جميع العائلات، عدا أنه لم يحدث فارقاً كبيراً سيما أن الأسر في قطاع غزة تصنف على أنها "ممتدة" وتعيل عدداً كبيراً من الأفراد، وبالتالي فإن كيساً واحداً من الدقيق لن يصمد عندها أسبوعاً واحداً على أكثر تقدير.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
في خيمتها المهترئة بمنطقة المواصي غربي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، تشتكي "أم أنس كحيل"، وهي أرملة استشهد زوجها في الحرب، وتعيل 7 أطفال، من عدم توفر الطحين وعدم مقدرتها على إطعام أطفالها "الأيتام الجوعى الذين ينامون وهم يبكون جراء عدم توفر الخبز، وهو الصنف الأساسي في مائدة الطعام".
وتوضح كحيل لمراسل "شمس نيوز"، أنه "قبل شهر خبزنا آخر عجنة طحين، ومنذ ذلك الحين دخلت الأزمة إلى خيمتي، انتظرنا طويلاً تسليمنا الدفعة الرابعة من قبل وكالة الأونروا"، مضيفةً: "لم أكن أستطع شراء كيس الطحين بسبب ارتفاع سعره إلى أن تعمقت الأزمة وتضاعفت أسعار الكيس، بالتالي بات اعتمادنا على المعكرونة والعدس والأرز إن توفر".
ولم تقتصر الأزمة على انقطاع الطحين، بل امتدت لتشمل تداعيات اجتماعية واقتصادية واسعة، فقد أثر توقف المخبز أو حتى الأفران على دخل العائلات التي تعتمد على بيع الخبز، بينما ارتفعت أسعار المواد البديلة بشكل كبير، مما زاد من معاناة الأسر النازحة، بعد أن تعدت نسبة الفقر في غزة حاجز 100% وفقاً لمؤسسات اقتصادية دولية.
أمام باب مخبزه المُوصَد وسط قطاع غزة، جلس "أحمد عماد الدين"، واضعاً يديه على خديه بقلة حيلة، بعد أن علَّق العمل في مخبزه الذي اتخذه مصدراً للرزق منذ أكثر من 20 عاماً، وكان يقدم الخبز لمئات النازحين خلال الحرب المستمرة، يقول لمراسل "شمس نيوز": “كان مخبزي يعج بالحياة، الناس تأتي يومياً لتشتري الخبز الطازج، لكن اليوم توقف كل شيء، لا يوجد طحين، وهذا يعني أنَّ لا خبز ولا دخل أعيل به أسرتي، نحن لا نعرف إلى متى سنبقى على هذا الحال”.
ويأمل السكان أن تنتهي هذه الأزمة قريباً، لأن الطحين بالنسبة لهم ليس مجرد مادة غذائية، بل هو حياة بأكملها، وتوفره لن يكون مجرد حل لأزمة، بل سيكون عودة لنبض الحياة، ولفرحة الأطفال الذين يركضون بشوق نحو خبز دافئ هو ما توفر لهم بعد سيطرة الاحتلال على المعابر ومنع إدخال المواد الغذائية أو البسكويت المخصص للأطفال.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023م، فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة حصاراً جوياً، وبحرياً، وبرياً على إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، ما أدى إلى حدوث مجاعة تسببت في استشهاد عدد من الأطفال وكبار السن.