قائمة الموقع

خبر الجهاد الإسلامي.. حركة رجال لا تتسول المال

2015-05-26T11:52:37+03:00

بقلم/أحمد أبو عقلين

وكأنه مأتم يسارع اللاطمون فيه لضرب خدودهم، أو شق جيوبهم، إما نادبين وإما شامتين، وبين هذا وذاك، تجد منابر الإعلام بيئة خصبة لصب الزيت على الجمر، ووضع النقاط على غير حروفها، فتظهر الصورة قاتمة لا تنتمي لأي نوع من الفن، تذوب فيها الألوان وتتناثر الزوايا وتنحرف الأبعاد.

ليست قضية الأزمة التي تمر بها حركة الجهاد الإسلامي اليوم كما يصورها الكثيرون، قضية دعم أو مال أو مواقف سياسية، ولم تكن أزمات كتلك لتفت في عضد هذه الحركة التي خرجت أصلا من رحم الأزمات، وبنيت على أكتاف الرجال وتعيش في بيئة هي في الأصل متأزمة بفعل الاحتلال منذ عشرات السنين.

قبل ثلاثة أشهر، تاريخ بدء الحديث عن أزمة مالية خانقة في الجهاد الإسلامي، لم يكن الحال أفضل، ولم يكن أبناء وقادة الحركة يركبون الليموزين، أو يعيشون في شاليهات على شاطئ البحر أو في قصور تطل على الكورنيش، فأبناء الجهاد الإسلامي هم أبناؤها منذ أن تأسست، يتنفسون المبدأ الذي خرجت من أجله، ولا يمتهنون التسول على أبواب الدول والحكام والمسئولين، فهم يعلمون حق العلم قانون الثابت والمتغير، فالدم والتضحية والموت هو الثابت، سواء جاء المال أم لم يأتِ.

الحقيقة التي يجهلها أو يتجاهلها الكثيرون، خاصة أولئك الذي أكثروا من الكتابات والتحليلات،  هي أن الحركة التي تتبنى الفكر الإسلامي المنبثق عن الكتاب والسنة، وتبني علاقاتها مع الدول والحركات والمنظمات الأخرى على حسب ما يمليه الإسلام، وتعتمد الإسلام طريقا لتحرير فلسطين، لا تتأثر فكريا بغياب أو تأخر دعم، والدليل العقلي عطفا على النقل، أن متوسط ما يتقاضاه الغالبية العظمى من أبناء الحركة لا يتجاوز 100 دولار، قد لا تصمد معه دقائق لو مشى في زقة من زقاق سوق فراس.

كثير من كوادر الحركة بمسميات ورتب عالية، مثل مدير، رئيس، مسئول، قائد، يعيشون على أدنى متطلبات الحياة، منهم من يسكن في بيت مستأجر، ومنهم من جاوز الثلاثين ولم يتزوج بعد، ومنهم من لا يملك في جواله إلا "ترعيشة"، ومنهم من فتحت له صفحات وصفحات في دفاتر الدين لدى البقالات والدكاكين.. وحدث كما شئت.

وهذا ما يثبت أن تغيب فتات النقود لن يقود نحو انحراف بوصلة هؤلاء الشباب، ولن تجعلهم يتمددون عكسيا باتجاه تغيير نهجهم وفكرهم وعقيدتهم، كما توقع بعض الكتّاب في مقالاتهم، ولن يصل الأمر إلى حد انقراض الحركة كما انقرضت الديناصورات، بل لن يزيدها الأمر إلا قوة، لأن كل شاب انتمى لهذا التنظيم، يعرف أن أي نعيم وأي رفاهية لن يكون لها قيمة إذا انغرست جنازير الدبابات الإسرائيلية في الأرض وبدأت بالتقدم، وإذا حلقت طائرات الموت تفتك بهم وتحرق الأخضر واليابس، حين لا يكون معنى للحياة إلا بالتقدم نحو الموت، وهذا ما أثبته مئات الشهداء والجرحى والأسرى منذ فجر تاريخ هذه الحركة.

المقاومة في غزة بكل تشكيلاتها هي نخبة النخبة، التي حين تذكر كلمة النخبة يذكر معها نقطة الصفر والأنفاق والغراد والأبابيل والضفادع البشرية، وليس كما حرّفها البعض، فصار شباب نخبتهم يهلكون في ساحات بعيدة عن ساحة العدو الحقيقي بعد المشرق والمغرب.

ثم إن موت المقاومة الفلسطينية هو غاية أمل عدوها الأول (إسرائيل)، ومن تمنى لها تلك الأمنية أو حدثته نفسه بذلك، فلا فرق بينه وبين المحتل، كل في الإثم سواء، فغزة ومن فيها هم شرف الأمة، وخط دفاعها الأول والأخير، فهل يعلم أحد شعبا ومقاومة تقاتل اليهود اليوم إلا شعب فلسطين ومقاومته؟ هل بقي أحد ممن يحملون شعارات المقاومة يوجه بندقيته تجاه فلسطين سوى مقاتلي فلسطين وجيشها؟

إن المال الذي ترسله بعض الأنظمة ليس منة تمتن بها على شعب عاش مقهورا مظلوما طوال 67 عاما مضت، يدافع وحيدا عن شرف الأمة كلها، بل هو فرض واجب على كل العالم الذي يقف متفرجا غير آبه لما يعانيه أطفال ونساء وشيوخ غزة وفلسطين، فرض على من تذهب أموالهم إلى غير وجهتها تطير كما يطير الدخان، بتبذير وبذخ من غير مسئولية أو مراعاة لمن هم بحاجة إلى أقل القليل منها لئلا ينقطع عنهم النفس الأخير.

ليس غيبا ولا سرا أن يعلم القاصي والداني، بأن حركة الجهاد الإسلامي تعيش أزمة هنا أو هناك، فهي بذلك تثبت أنها في نفس خندق الشعب المكلوم، خندق اليتيم والمحروم والمشرد والباحث عما يسد رمق أطفاله، لكن رهاننا على أنها لن تسلم ولن تقايض، فهي مقاومة، لا تنكسر للمساومة، ولا تبيع المواقف، ولا تتخلى عن الباقي من أجل الفاني، هي حركة الرجال لا حركة المال، ولله در القائل: المال يستر رذيلة الأغنياء ، و الفقر يغطي فضيلة الفقراء.

فلسطين وشعبها ومقاومتها ليسوا أذلاء يا سادة، فليست لقمة أو كسرة خبز أو بعض المال يردهم أو يجبر جريحهم، هم بحاجة إلى من يساندهم في معركتهم لاسترداد وطنهم المسلوب، بحاجة لمن يترجم تصريحاته إلى أفعال واقعية ملموسة تدك حيفا وما بعد حيفا، وتفتح القدس وتطهر المسجد الأقصى، بحاجة إلى رجال لا أنصاف أزلام، بحاجة إلى ثمانين ألف صاروخ تدمر عدوها لا توجه إعلاميا نحوه وعلى الأرض هي في وجهة أخرى..

إذا ماتت فلسطين وماتت غزة يا سادة.. فعلى الدنيا السلام!!

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه

 

اخبار ذات صلة