قائمة الموقع

الطفل الغزي جهاد يواجه الإبادة والحياة من دون ساقين

2025-01-09T09:56:00+02:00
الطفل جهاد محمود
شمس نيوز - الأناضول

قرب خيمة من القماش لا تقي برد الشتاء، يجلس الطفل جهاد محمود (3 سنوات) على الرمال الباردة يلعب مع صديقه محاولاً دفع الكرة بيديه، بعدما بترت صواريخ الاحتلال ساقيه في قصف استهدف منطقة المواصي التي زعم الاحتلال سابقاً أنها "آمنة".


الطفل جهاد الذي يحب الحركة واللعب مع أقرانه وأفراد عائلته باتت حركته، اليوم، محدودة، بعدما فقد منذ أكثر من 4 أشهر ساقه اليسرى حتى ما فوق الركبة، وساقه اليمنى حتى منطقة أسفل الركبة و3 من أصابع يده اليسرى.
مستنداً على يديه وجارّاً ما تبقى من رجليه على الأرض، هكذا يتنقل جهاد من مكان إلى آخر في وقت تأمل فيه عائلته بحصوله على أطراف صناعية تعيد إليه الحياة.


ورغم الإعاقة الكبيرة، إلا أن جهاد صاحب الجسد المُنهك ما زال محتفظاً بروح المرح حيث لم تمنعه الإصابة من إطلاق العنان لضحكاته كلما داعبته والدته.


ويعد جهاد واحداً من أكثر من 22 ألف شخص يعانون من إصابات غيرت حياتهم للأبد، وفق ما صرحت به كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ، في أيلول 2024. كما أنه واحد من نحو 4 آلاف حالة بتر في قطاع غزة جراء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 تشرين الأول 2023، حسب بيان لوزارة الصحة بغزة في كانون الأول الماضي.


ومع ارتفاع حالات البتر في صفوف الأطفال، قالت ليزا دوتن المسؤولة بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، في تشرين الأول 2024، إن غزة أصبحت "موطناً لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث".


ونقلت دوتن آنذاك عن "الأونروا"، قولها، إن 10 أطفال يفقدون إحدى الساقين أو كليهما بشكل يومي جراء الإبادة.


هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه أطفال غزة وصفه المفوض العام لـ"الأونروا" فيليب لازاريتي بـ"جائحة الإعاقة" التي تعصف بالقطاع وسط شح توفر الأطراف الصناعية أو مراكز التأهيل النفسي والجسدي التي تعيد للمبتورين الأمل.


ويتم توفير عدد من الأطراف الصناعية كجزء من المساعدات الإغاثية التي تقدمها دول ووفود طبية إلى قطاع غزة.


وعلى مدار أشهر الحرب، استهدف جيش الاحتلال وأخرج عن الخدمة مستشفى حمد للتأهيل والأطراف الصناعية، وهو الوحيد المتخصص في القطاع، إضافة إلى مركز غزة للأطراف الصناعية التابع لبلدية غزة، وفق وزارة الصحة.


وهي تراقبه بعيون متحسرة، قالت والدة الطفل مي الشاعر، إن القصف الذي استهدف منطقة "المواصي" الساعة الواحدة بعد منتصف الليل كان قريباً من خيمتهم.


وأضافت، إنها استيقظت آنذاك على وقع صوت انفجار كبير اعتقدت في البداية أنه ناجم عن انفجار أنبوبة غاز إذ إنها لم تكن تتوقع أن يصل الإجرام الإسرائيلي لقصف منطقة ادعى أنها "آمنة" وتؤوي مدنيين أغلبهم نساء وأطفال.


بعد ثوانٍ حاولت فيها فهم ما جرى، وجدت الشاعر طفليها جهاد وشقيقه الأصغر "أحمد" (عام واحد) قرب رأسها فيما غطت الرمال جسديهما.


وبينت أنها أخرجت الطفلين من تحت الرمال، لكنها لم تنتبه مباشرة لإصابة جهاد بسبب الظلام الدامس الذي ضاعفه دخان الانفجار والأتربة والشظايا المتطايرة.


وفي القصف ذاته، استشهد اثنان من أشقاء الشاعر وزوجة شقيقها الحامل وأُصيب والداها، فيما أصيب زوجها ببتر في قدمه اليسرى كما خضع لتركيب "بلاتين" في كلتا يديه إثر إصابة بليغة طالتهما.


والمواصي التي يزعم جيش الاحتلال تصنيفها بـ"الآمنة"، هي مناطق رملية على امتداد الخط الساحلي، تمتد من جنوب غربي مدينة دير البلح وسط القطاع، حتى جنوب غربي خان يونس.


وتعد المنطقة مفتوحة إلى حد كبير وليست سكنية، حيث تسبب قصف إسرائيلي سابق لها بدفن العشرات من خيام النازحين داخل الرمال بأعماق كبيرة.


بعدما تفقدت كافة أفراد عائلتها، ركبت الشاعر سيارة الإسعاف مع المصابين الذين تم نقلهم من المكان لتفاجأ هناك بنبأ إصابة جهاد لكنها أيضا لم تتوقع أن تكون بليغة لهذا الحد، وفق قولها.


وأوضحت أنها عقب نحو 4-5 ساعات من القصف وبعد أن كان وقع الصدمة ثقيلاً عليها إثر فقدانها أفراداً من عائلتها وإصابة آخرين، طلب طاقم المستشفى من الشاعر أن تتوجه إلى غرفة معينة حيث يمكث على أحد الأسرة طفل يبكي ويريد أن يراها.


"صدمة عمري" هكذا وصفت الشاعر اللحظات الأولى التي رأت فيها طفلها جهاد وهو من دون ساقين ومن دون بعض أصابع يده، مبينة أن هذه الإصابة أثرت بشكل كبير وسلبي على حياة جهاد، الطفل الذي كان محباً للعب والحركة.


هذه الإصابة قلبت حياة عائلة محمود رأساً على عقب، حيث يحتاج جهاد لمتابعة مستمرة لحمايته من الإصابة بالأمراض، وفق قول والدته.


ولملامسته الدائمة للرمال الباردة والملوثة، يُصاب جهاد بأمراض جلدية كالحساسية أو التهابات في مكان إصابته، وفق قول والدته.

ولا يوجد بدائل تساعد الطفل جهاد على الحركة وتحول بينه وبين ملامسة جسده للأرض وحمايته من الأمراض.


وتتحمل الوالدة أعباء حياة النزوح بالتزامن مع إصابة طفلها وحدها فيما يمكث زوجها المصاب داخل المستشفى منذ 4 أشهر.

ويعيش النازحون ظروفاً قاسية داخل الخيام المصنوعة من القماش والنايلون الذي لا يقي برد الشتاء أو حر الصيف وسط نقص إمدادات الطعام والمياه.

وتتضاعف معاناتهم مع حلول فصل الشتاء بالتزامن مع نقص الملابس والأغطية ووسائل التدفئة.


ولجأ هؤلاء إلى الخيام بعدما دمرت إسرائيل منازلهم وأجبرت معظمهم على ترك مناطق سكنهم والتوجه إلى المناطق التي تقع جنوب قطاع غزة.

اخبار ذات صلة