اضطر الفلسطينيون في قطاع غزة إلى النزوح من منازلهم وترك جلّ مقتنياتهم، على أمل العودة خلال أيام أو أسابيع. إلا أن حرب الإبادة الجماعية امتدّت لأكثر من أربعة عشر شهراً، ما اضطرهم إلى شراء الأواني الفخارية جراء النقص الحاد في الأواني المعدنية في الأسواق. وتقول أم جمال مقداد (39 عاماً) التي نزحت من حي الكرامة شمالي مدينة غزة، إنها خرجت من بيتها، ولم تستطع أن تحمل أي شيء معها نتيجة القصف المفاجئ للمبنى السكني الذي كانت تقطن فيه.
وتضيف في حديث إلى «الأخبار»: «اشتريت عدداً من الأواني المعدنية والزجاجية، إلا أن كثرة النزوح أفقدتني معظم ما اشتريته، فاضطررت إلى شراء الأواني الفخارية بعد انقطاع معظم الأواني من الأسواق».
وأمام خيمتها في منطقة دير البلح، تضع إيمان السياح (28 عاماً)، بدورها، قدر الفخار على النار، قائلة، لـ«الأخبار»، إن «سعر الأواني المعدنية أصبح مرتفعاً جداً، وليس في مقدورنا شراؤها، ولذا، اشتريت هذا القدر ووجدت أن نكهة الطعام فيه أجود وألذ من الأواني الأخرى». وتستدرك السيدة التي هجرت قسراً بيتها في مخيم الشاطئ بأن «ما يعيب الأواني الفخارية أنها حساسة جداً، فإذا ما وقعت سرعان ما تنكسر، و إذا دُقت الزبادي بقوة تتشقق وتصبح غير صالحة للاستخدام». ويشيد أبو محمد القاضي (55 عاماً)، من جهته، بحافظ الماء والذي يحمل أسماء متعددة وفقاً لحجمه: الكبير منه اسمه زير، والوسط إبريق، والصغير قُلّة، ويقول لـ«الأخبار»: «كانت المنقذ لنا من حر الصيف، حيث كانت تحتفظ بالماء البارد طوال الوقت».
أما محمود حجازي (17 عاماً)، أحد بائعي الفخار في منطقة الفواخير وسط مدينة غزة، فيؤكد أن أكثر ما يُقبل على شرائه الفلسطينيون هو الزبادي والقدور الفخارية؛ «حيث تُستخدم القدور للطبخ، والزبادي كبديل من الأطباق». ويضيف: «تمكنا من بيع كميات كبيرة من الأواني الفخارية خاصة الزير، الذي لم يسبق لي أن بعته بهذا الكم نتيجة الطلب الكبير عليه». وعن سبب ارتفاع أسعار الأواني الفخارية، يبين حجازي، في حديث إلى «الأخبار»، أن الأواني المصنّعة قبل الحرب تُباع بالسعر نفسه الذي كانت عليه، «بينما التي تصنع خلال الحرب، سعرها مرتفع لأن صناعتها مكلفة ومتعبة بشكل كبير جداً».
ويروي حمدان حجازي (25 عاماً) الكيفية التي يتم بها صناعة الفخار بأشكاله المختلفة، قائلاً لـ«الأخبار» إن الخطوة الأولى لصناعة الفخار تبدأ بتنقية الطين الأحمر وتصفيته من الماء بالغربال، ثم تركه كي يجف في الشمس ساعات قليلة. ويضيف حجازي: «نقوم بتجبيل الطين الأحمر لساعات طويلة باليدين لعدم توافر الكهرباء لتشغيل الجهاز الخاص بذلك، ما يؤدي إلى إرهاق شديد في الجسم وإصابته بالأوجاع والآلام». وتتمثل المرحلة التالية بصناعة أعمدة الطين التي توضع على دولاب التشكيل «والذي يتحرك عبر دواسة مرتبطة به، وكان يستخدمه جدي قبل عشرات السنين، لعدم توافر كهرباء لتشغيل الدولاب الحديث، والذي يسهل العمل بشكل كبير». ويبين الشاب العشريني أنه عبر الدولاب يتم صناعة جل الأواني، كقدر الطبخ، وقدر الأرز، والطاجن، واللچان، والزبدية وحتى الأكواب والفناجين وغيرها من الأواني التي يحتاجها المطبخ الفلسطيني. وتترك تلك الأواني لأيام في الشمس كي تجفّ، وذلك كبديل من التنور الذي لم يَعُد إشعاله متاحاً بفعل الإسراف في استهلاك الأخشاب في الطهي. وبعد أن تجفّ وتتحول إلى اللون المألوف، يجري تحويل المنتوجات الطينية إلى البيع. ويلفت حجازي الذي عرض لـ«الأخبار» صور أجداده وهم يصنعون الأواني الفخارية، إلى أن عائلته من أقدم الحرفيين في هذه المهنة، قائلاً: «كان جدي يصدّر مشغولاته الفخارية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل 65 عاماً».
يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس التطهير العرقي بحق المدنيين في قطاع غزة منذ ما يزيد على 400 يوم، ويطبق عليهم حصاراً شديداً يمنع عبره إدخال أي من مقومات الحياة إلى القطاع.
المصدر: الأخبار اللبناينة