لم تتماسك أم محمد الشرباصي نفسها وبدأ جسدها يرتعش والدموع تسيل على وجنتيها، عندما أُعلن عن نجاح مفاوضات وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برعاية قطرية ومصرية وأمريكية.
ويصف مراسلنا المشهد المبكي أمامه يقول: "كانت أم محمد تجلس أمام خيمتها تترقب بخوف شديد ما سيعلن عبر مؤتمر صحفي لوزارة الخارجية القطرية في الساعة السابعة مساءً من يوم الأربعاء (15-1-2025)؛ لكن صوت التهليل والتكبير الذي قلب صمت المخيم في لحظة لم يُسعفها أن تسمع كلمات المؤتمر؛ إلا أنها تجاوبت مع فرحة الناس بإطلاق الزغاريد".
وأطلقت أم محمد الشرباصي العنان لدموعها تنهمر على وجنتيها كالمطر، وبدأت تُقبل الأطفال وتحتضن النساء، فيما تركت لسانها يردد بأعلى صوت: "الحمد لله الحمد لله راح ارجعلك يا حجتي.. راجعالك يا غالية يمَّا"، بينما يقول نجلها خالد "يا رب التمام يا رب".
فبعد رحلة طويلة من الانتظار، وعلى مدار أسبوع من التصفير ابتهاجًا عند رأس كل خبر يحمل في طياته فرجًا قريبًا، وبينما انطلقت اللحظات، وبدأ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، حتى انطلقت تكبيرات الفرح، وصيحات التهاني، ودمعات طال انتظارها، وكأنها مخاض عسير كتب له الولادة، ملخص لحالة السعادة بين أوساط النازحين، أينما وجدتهم، في قلب المخيمات، في المدارس، في الأسواق، وعلى امتداد سواحل المواصي.
أسبوع وأرجع لغزة معقول..!
"أسبوع بس وأرجع لغزة" قالها النازح أبو أنس خضير، وهو لا يكاد يصدق نفسه، وكأنه استيقظ من كابوسه أخيرا؛ ليرى نفسه أمام أسبوع واحد للقاء بيته والذي "طار" نصفه إثر القصف المدفعي.
وبينما يحدث مراسلنا حتى يقوم جاره أبو أحمد حجاج باحتضانه لا اراديًا، وهو يردد "الله أكبر.. خلصت خلصت.. الله أكبر"، وتتقاذف الدموع من عينيه كالمطر.
أما الطبيب أبو شكري، لم يكد يصدق عظيم كرم الله، لقد انهمرت دموعه عند الإعلان عن صفقة، ذلك الطبيب الذي لم يترك مهمته حتى النفس الأخير.
وفي الأثناء تجمعت أعداد مهولة، يزف بعضهم بعضًا كما العرسان، يردد شباب المخيم: "الله أكبر.. الله أكبر".
وأعلنت مصر وقطر والولايات المتحدة الأميركية، مساء أمس، توصل إسرائيل و"حماس" إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين والعودة إلى الهدوء المستدام بما يحقق وقفاً دائماً لإطلاق النار بين الطرفين، بعد أكثر من 15 شهراً على حرب مدمّرة خلّفت عشرات آلاف الشهداء ودماراً واسعاً وكارثة إنسانية.
فقد أعلن رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، مساء أمس، أن إسرائيل وحركة "حماس" توصلتا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل رهائن محتجزين في غزة.
وأوضح أن تنفيذ الاتفاق سيبدأ الساعة 12:15 ظهر الأحد المقبل، وأكد أن العمل يجري حالياً على استكمال الجوانب التنفيذية للاتفاق، معرباً عن شكره لشركاء الوساطة من مصر والولايات المتحدة على الدفع بالمفاوضات قدماً.
وقال رئيس الوزراء، في مؤتمر صحافي: "يسرّ دولة قطر وجمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأميركية الإعلان عن نجاح جهود الوساطة المشتركة لوصول طرفَي النزاع في قطاع غزة وإسرائيل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى والرهائن والعودة إلى الهدوء المستدام وصولاً لوقف دائم لإطلاق النار بين الجانبين".
وأوضح أنه "حسب الاتفاق، ستطلق حماس في المرحلة الأولى سراح 33 محتجزاً إسرائيلياً بما يشمل النساء المدنيات والمجندات والأطفال وكبار السن والمرضى والجرحى المدنيين، مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومراكز الاعتقال".
وأضاف: إن المرحلة الأولى، التي تمتد 42 يوماً، تشمل "وقفاً مؤقتاً للعمليات العسكرية، مع انسحاب القوات الإسرائيلية شرقاً بعيداً عن المناطق السكنية المكتظة، للتمركز على الحدود في مختلف مناطق قطاع غزة".
وتابع: "كما تتضمن تبادل الأسرى والمحتجزين وفق آلية محددة، تبادل رفات المتوفين، عودة النازحين داخلياً إلى أماكن إقامتهم في القطاع، وتسهيل خروج المرضى والجرحى لتلقي العلاج اللازم".
وأشار إلى أنه بموجب الاتفاق "تتضمن المرحلة الأولى أيضاً تعزيز إدخال وتوزيع المساعدات الإنسانية بشكل آمن وفعّال على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة، بالإضافة إلى إعادة تأهيل المستشفيات، المراكز الصحية، والمخابز. كما تشمل إدخال مستلزمات الدفاع المدني، الوقود، ومستلزمات إيواء النازحين الذين فقدوا منازلهم نتيجة الحرب".
أما فيما يتعلق بالمرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق، فسيتم العمل على إتمام البنود خلال تنفيذ المرحلة الأولى.
وأعلن رئيس الوزراء القطري أن الوسطاء المشتركين من الولايات المتحدة وقطر ومصر سيراقبون وقف إطلاق النار في غزة اعتباراً من الأحد، من خلال هيئة مقرها القاهرة.
وقال: إن "فريقاً مشتركاً من الدول الثلاث سيراقب تنفيذ الاتفاق، وكل شيء متفق عليه، وسيكون جاهزاً، إن شاء الله، في يوم التنفيذ".