اضطرت الغالبية العظمى من مواطني محافظة شمال غزة الذين عادوا لتفقد منازلهم ومناطقهم بعد سريان التهدئة صباح أمس، للعودة إلى أماكن نزوحهم في مدينة غزة بعد أن صدموا بتدمير منازلهم ومناطقهم وتغيير معالمها.
ولم تكن مصيبة هؤلاء بتدمير منازلهم بل بتغيير معالم المنطقة، وعدم قدرتهم على التوغل داخلها بسبب إغلاق الشوارع وتدميرها.
وحتى مشياً على الأقدام تعذر دخول المنطقة على الكثير من هؤلاء، الذين تحمسوا منذ ساعات الصباح الباكر للتوجه إلى مناطقهم ومنازلهم لتفقدها بعد نزوح قسري استمر أكثر من مائة يوم.
وتورمت أرجل العديد منهم لكثرة السير فوق الركام، بل أصيب البعض منهم بكدمات كما هو الحال مع المواطن محمود نازك، الذي فشل في تحديد مكان منزله الواقع في منطقة الهوابر شمال جباليا.
وسقط أكثر من مرة من فوق الركام خلال بحثه ومحاولته الوصول إلى المنطقة، التي حوّلتها قوات الاحتلال إلى خرابة وأكوام من الركام والتلال الرملية.
واختلط الركام ببقايا المدرعات المدمرة التي فخختها قوات الاحتلال وقامت بتفجيرها في المربعات السكنية في جميع أرجاء محافظة الشمال.
واضطر نازك في مطلع الأربعينيات من عمره، للتوقف عن البحث والعودة للسكن في حي الزرقاء بمدينة غزة على أن يستكمل المسيرة اليوم أو ينتظر إزالة الدمار وفتح الشوارع.
وخاب ظن وتوقعات المواطن أمجد طلال أبو وردة بعد أن دمرت قوات الاحتلال منزله المكون من ثلاثة طوابق بالكامل وسوته بالأرض، إلى جانب عشرات المنازل الأخرى في مربع النعمان في حي النزلة.
وقال أبو وردة إنه لم يتفاجأ بتدمير منزله ولكنه تفاجأ بالعثور على جزء من ركامه ولا يعرف أين ذهبت قوات الاحتلال بباقي الركام.
وشرع أبو وردة، الذي كان محظوظاً أكثر من غيره بالتعرف على مكان منزله، بتأهيل منطقة فارغة إلى جانب منزله من أجل نصب خيمة تؤوي عائلته المكونة من ستة أفراد.
ووزعت قوات الاحتلال دمارها وخرابها في محافظة شمال غزة وبشكل خاص في بلدة جباليا ومخيمها بشكل متساوٍ، بحيث طال جميع المربعات السكنية والأحياء، ولم تترك منزلاً إلا ودمرته وجعلته منطقة غير صالحة للسكن، كما دمرت الطرقات ولم يكن بإمكان المواطنين الوصول إلى كل المناطق بسبب الدمار الهائل.
وبالدموع والتهليل والتكبير اندفع هؤلاء من مدينة غزة حيث مكان نزوحهم إلى محافظة الشمال مشياً على الأقدام في الغالب.
ولم تخل الممرات الضيقة وبعض جوانب الطرقات من بقايا جثامين الشهداء المتحللة، حيث شرع المواطنون بإجلائها إلى مناطق تتواجد بها بعض سيارات الإسعاف.
وهب المواطن محمود نبهان وأشقاؤه وأبناؤه للبحث عن جثمان شقيقه الطبيب سعيد نبهان من تحت أنقاض منزله المتواجد وسط بلدة جباليا والذي كان من آخر المنازل التي قصفتها قوات الاحتلال فوق رؤوس سكانها قبل انسحابها.
وحال الدمار الهائل الذي حل بالمبنى المكون من خمسة طوابق دون عثورهم عليه بسبب محدودية الإمكانات.
وكان الطبيب نبهان وهو في مطلع الستينيات من عمره، يعتني بوالده الطاعن بالسن قد استشهد هو ووالده في غارة غادرة لطائرات الاحتلال الجمعة الماضي.
وغابت الفرحة عن معظم المواطنين بسبب هول وشدة الدمار، وافتقاد كل أسرة لأحد أفرادها بين شهيد ومفقود ومعتقل أو فقدانها منزلها.