مفش أصعب من هالعيشة ولا الظروف اللي بنمر فيها، وباختصار احنا عايشين في محجر كبير"، هكذا وصف المواطن أحمد جودة (43 عاماً) واقع الحال الذي يمر به جميع سكان مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، بسبب تدمير منازلهم بشكل كامل.
وقال جودة: "بعد أن دمروا المنزل مضلش اشي نزعل عليه، بس المشكلة مش عارفين نعيش زي الناس، مش لاقيين حتى غرفة ولا شارع نمشي فيه كل المخيم حجار وركام".
يتسلل جودة بالتدريج نحو مساحة لا ترقى حتى لتسميتها بــ"كهف" هو كل ما بقي من مساحة يحيطها الركام من كافة الجوانب، ليجلس مع أفراد أسرته الذين كانوا يفترشون بضعة أقمشة وأغطية، وينتظرون أن يأتي بهم بطرد غذائي من المعلبات.
وأضاف: "مشهد الركام المتراكم لا يدل على أنه يمكن أن نعيش هنا، لكن استطعت أن أخلي بعض قطع الركام التي حطمناها بمطرقة ثقيلة عشان أجد طريق سهلة للوصول إلى هذا المكان والعيش فيه"، مبيناً أنه استغل مساحة صغيرة مائلة من السقف الإسمنتي تشبه الكهف واستخدمها لسكن أسرته المكونة من خمسة أفراد.
ويعتبر مخيم جباليا، بكافة بناياته ومنازله المدمرة وشوارعه التي صارت ضيقة، ومليئة بالأحجار وأكوام وتلال الركام، محجراً إسمنتياً كبيراً يعيش فيه نحو 100 ألف لاجئ، غالبيتهم من الأطفال.
وبيّن جودة أنه لا يكف عن العمل طوال ساعات النهار كي يسهّل هذه الطريق التي تمتد نحو ثمانية أمتار، للربط بين بوابة كهفه الجديد وممر الشارع العام، الذي تحول عرضه من 20 متراً قبل تدمير المنطقة إلى مترين فقط.
يمثل المواطن جودة صورة مكررة لجميع من يعيش في مخيم جباليا، حيث يصرّ غالبية السكان، على العيش بجوار بقايا منازلهم ووسط أتلال الركام، فالمواطن سعيد أبو العيش (39 عاماً) لم يجد بديلاً عن العيش داخل خيمة قماشية بالية ومهترئة، لكنه لم يجد مساحة كافية لإقامتها على الأرض فأقامها فوق تلة عالية الارتفاع من ركام منزل كان مكوناً من أربعة طوابق في منطقة الفاخورة غرب مخيم جباليا.
وقال أبو العيش، "مفيش مكان أنصب الخيمة إلا فوق، رغم ارتفاع تلة الركام لأكثر من 15 متراً عن ممر الطريق الضيقة".
ولفت إلى أنه قضى أكثر من عشرة أيام وهو يشق طريقاً فوق الركام على شكل "أدراج"، ليسهل المرور عبرها من وإلى خيمته التي يعيش فيها أفراد عائلة الستة.
لم يكن جاره المواطن وحيد تايه (47 عاماً) أفضل حالاً عندما دفع مبلغاً، لم يقل عن 2000 شيكل مقابل استئجار آلية وشاحنة ساعدته لخلق مساحة على جانب ركام منزله، بالكاد تتسع لخيمة.
وقال تايه، "المشكلة مش بس في هدم وتدمير المنزل المشكلة أنه مفيش مساحة للنوم فقط، ولا نقول للنوم والمرحاض وتجهيز الطعام وتخزين المياه".
وأضاف: "مش بس فجروا الدار وهدوها بالكامل بل إننا تشردنا ومش ملاقيين مكان نعيش فيه".
ولا يجد الغالبية من لاجئي مخيم جباليا مساحة للعيش فيها وسط هذا المحجر الكبير، وذلك محل إجماع كبير من السكان الذين عادوا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية من أماكن نزوحهم جنوب قطاع غزة.
"يتحول مخيم جباليا الذي لم يعد مخيماً بل أصبح محجر جباليا الكبير، إلى منطقة مخيفة وخطيرة وقتما تغيب الشمس، ويأتي الليل ويحل الظلام الدامس أرجاء المكان"، هكذا قال المواطن محمد العطاونة (50 عاماً) الذي عانى من إصابة أحفاده بالكدمات والسقوط وهم يتجولون في المخيم وسط الظلام.
وأضاف، "مرات نضطر نرسل الأطفال لشراء احتياج معين، ويضطرون للسير وسط أزقة ضيقة وفوق الركام للوصول إلى مقاصدهم، ويأتون بكدمات من أثر السقوط لخطورة سيرهم وسط الركام"، مبيناً أن المواطنين سيستقبلون شهر رمضان بطقوس وعادات غائبة تماماً، وسيتناولون سحورهم وإفطارهم وسط ظلام دامس، إلا من أضواء خافتة من هواتف نقالة.
ويعتمد الغالبية منهم على أضواء الهواتف النقالة سواء في التنقل أو لإنارة الكهوف والخيام التي يسكنونها، نظراً للشح في توفر البطاريات ووسائل الإنارة البديلة.
يذكر أن التيار الكهربائي منقطع بالكامل عن قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي قبل عام ونصف العام.
ونوه العطاونة إلى أنه سيتناول طعام إفطاره وسحوره في هذا الكهف المعتم، ولن يستمع لصوت الأذان، ولن تقام شعائر رمضانية وصلوات التراويح في المساجد التي هدمت بالكامل.