قائمة الموقع

خبر كيف صنع نتنياهو وبوش الفوضى في الشرق الأوسط؟

2015-05-29T18:13:11+03:00

فورورد*

“باراك أوباما مرتبك من حالة الفوضى في الشرق الأوسط” هي إحدى الكليشيهات المنتشرة الآن في واشنطن. إنّه يقود من الخلف، ويرضخ لرغبات إيران، وينسحب من العالم، ويتجه إلى محور آسيا. ويحاول فك الارتباط من التشابكات الدائرة في الشرق الأوسط، ولكن المنطقة تسحبنا إليها مرة أخرى.

إذا كان الأمر كذلك؟ فإنّ هذه الكليشيهات تبدو محيرة بعض الشيء. من ناحية، تخلينا عن حلفاء قدامى مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وتركناهما لمحاربة التهديد الإيراني. ومن ناحية أخرى، نقاتل على العديد من الجبهات —العراق وسوريا واليمن— مع عدم وجود فكرة واضحة حول من هو العدو.

نحن نقاتل جنبًا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية السُنية ضد وكلاء إيران الشيعية في اليمن. ونقاتل جنبًا إلى جنب مع إيران الشيعية ضد داعش السُنية في العراق. وندعم المتمردين السوريين الذين يقاتلون ضد داعش ونظام الأسد، وكيل إيران في سوريا. وفي الوقت نفسه نمارس الضغط في سويسرا لإجبار إيران على التخلي عن نصف أجهزة الطرد المركزي، وإبقاء النصف الآخر.

في إحدى السرديات، أوباما يفتقر إلى رؤية شاملة في السياسة الخارجية، يجب أن تتوافر في القائد الحقيقي. وفي سردية أخرى، إنّه يتبنى سرًا نظرية غامضة من “الموازنة في الخارج”، هو نوعٌ من الانعزالية المُعدّلة. الفكرة هي أنّه يمكنك استخدام القوة البحرية والجوية وليس القوات البرية للدفاع عن أصدقائك؛ الأمر الذي لا يبدو تمامًا مثل الانعزالية. كتب أحد المحافظين الجدد، يُدعى لي سميث، في إحدى الصحف العام الماضي أنّ أوباما قد اعتمد على استراتيجية مهاجمة إسرائيل لتحقيق “التوازن” وأنّه استعان بالمخضرم ستيفن والت في سياسته الخارجية، على الرغم من أن والت لم يذهب إلى البيت الأبيض.

كيف أصبحت الأمور مربكة إلى هذا الحد؟ في الواقع، إنّها تبدو بسيطة.

في مطلع يناير من عام 2002، بعد أربعة أشهر من هجمات 11 سبتمبر، التقى مدير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، عوزي دايان، مع نظيرته الأمريكية كوندوليزا رايس في واشنطن. وقالت له رايس إنّ الرئيس بوش قرر غزو العراق والإطاحة بصدام حسين. وبعد شهر التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي إرييل شارون، مع بوش في البيت الأبيض، وقدّم له بعض النصائح، استنادًا إلى عقود من المخابرات الإسرائيلية.

وفقًا لثلاثة مصادر على معرفة مباشرة بالأمر، قال شارون إنّ الإطاحة بصدام ستؤدي إلى ثلاث نتائج رئيسة، جميعها سلبية. أولًا:العراق سوف تتفكك إلى قبائل متناحرة من السُنة والشيعة والأكراد. ثانيًا: أنتَ ستصبح عالقًا في المستنقع العراقي لمدة عشر سنوات.ثالثًا: إيران، وهي لاعب أكثر خطورة، سوف تتخلص من عدوها الرئيس وتصبح حرة لمواصلة طموحاتها بالهيمنة الإقليمية. بوش لم يوافقه الرأي.

واصل القادة الإسرائيليون احتقار العراق. وتحوّل هذا التجاهل إلى إنذار حقيق في أغسطس، عندما نشر المعارضون في إيران أدلة على أنّ إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية. وفي سبتمبر، أخبر شارون حكومته بوقف المناقشة بشأن العراق لأنّ هذا يزعج البيت الأبيض.

في 12 سبتمبر، جاء مسؤول إسرائيلي آخر إلى واشنطن: وهو بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء السابق الذي تحوّل إلى مواطن عادي. كان هناك صراع بين نتنياهو وشارون منذ فترة طويلة، وكان نتنياهو حليفًا مقربًا من المحافظين الجدد في واشنطن، وتمت دعوته لإلقاء كلمة في البرلمان الأمريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون باعتبار أنه خبير في شؤون العراق. وقال نتنياهو إنّ بغداد “تخفي أجهزة طرد مركزي متنقلة بحجم الغسالات” وعلاوة على ذلك، “إذا أطحتم بنظام صدام حسين، فأنا أؤكد أنه سيكون هناك أصداء إيجابية هائلة على المنطقة“. في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران، سيكون ذلك مصدر إلهام للشعوب في المنطقة لإسقاط الطغاة في بلادهم.

وبطبيعة الحال، استمع بوش لنتنياهو والمحافظين الجدد، وليس لشارون وجنرالاته. وللأسف، كان شارون مُحقًا. انهارت العراق، وصعدت إيران. ولم يكن لهذا الغزو أي أصداء إيجابية. والباقي في طيات التاريخ.

توقفت إيران لفترة وجيزة عن إجراء الأبحاث النووية في عام 2003، خوفًا من أن تكون التالية في قائمة الهجوم التي وضعها بوش. وبمجرد إدراكها أنها بأمان، استأنفت العمل. بدأت الأمم المتحدة بإصدار قرارات تدين طهران لانتهاكها التزاماتها الموقعة بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. ونتيجة لذلك؛ جلست إيران مع فرنسا وإنجلترا وألمانيا ووافقت على الالتزام مرة أخرى، لكنها استمرت في عملها على أي حال. لم يكن هناك أحد يستطيع إيقافها.

في العراق، كما تنبأ شارون، أدت الإطاحة بديكتاتورية صدام التي يهيمن عليها السُنة إلى سيطرة الأغلبية الشيعية على البلاد. وبالتالي؛ تم تهميش السُنة، وتفكيك جيش صدام بدلا من استغلاله. وتحالفت الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة، على الرغم من أنّها مدعومة من الولايات المتحدة، بشكل فعّال مع إيران.

في أواخر عام 2003، بدأ السُنة في العراق القتال مرة أخرى، وكان قائد التمرد هو أبو مصعب الزرقاوي. في عام 2004، انضم قدامى المحاربين التابعين بصدام حسين إلى الزرقاوي، وكونوا ما يُعرف الآن باسم تنظيم القاعدة في العراق. قُتل الزرقاوي في عام 2006، ولكن التنظيم لم يتراجع وأعاد تسمية نفسه بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق. وفي عام 2011 دخل سوريا للانضمام إلى الحرب الأهلية هناك، وأعاد تسمية نفسه مرة أخرى باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، أو داعش.

في عام 2009، تغير اثنان من الأنظمة الأخرى: واشنطن والقدس. دخل باراك أوباما البيت الأبيض في موجة من السخط الشعبي من حرب العراق الطويلة. وتم عزل إيهود اولمرت، الصديق المقرب من إرييل شارون، من منصبه وسط فضيحة، وحل حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو محل حزب كاديما.

وعلى الفور، حذّر نتنياهو من الأسلحة النووية الإيرانية. ولم يتم تفعيل سلسلة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، وكذلك العقوبات الأمريكية والأوروبية في رئاسة بوش وأوباما. في عام 2006، انضمت واشنطن وموسكو وبكين إلى القوى الثلاث التي تتفاوض مع إيران. لكن واشنطن رفضت الاشتباك مع العدو. ولاحظت روسيا والصين أن الموقف السلبي الأمريكي لم يكن حقيقيًا.

في عام 2009، رفع أوباما مستوى مشاركة الولايات المتحدة. وهذا لفت انتباه روسيا والصين ولكنّه أغضب نتنياهو والجمهوريين. وبدأ نتنياهو الآن يتطلع إلى هجوم عسكري، ولكن جنرالاته وجواسيسه رفضوا ذلك، وحذّروا من أن الهجوم الإسرائيلي المنفرد لن ينجح وأنّ أمريكا ليست مستعدة لحرب أخرى. تضاعفت أجهزة الطرد المركزية العاملة في إيران من 164 في عام 2009 إلى 10 آلاف في عام 2012.

حاول نتنياهو الضغط على أوباما، ولكن هذه المناورة تلاشت في ظل الاقتتال الداخلي الحزبي في واشنطن؛ حيث توترت العلاقات بشكل خطير. بحث نتنياهو عن أجوبة أخرى، ولذلك أقال مستشاري الأمن الواحد تلو الآخر، لكن كان يحصل على نفس الإجابة: العمل مع واشنطن. وفي عام 2013، فتح أوباما قناة اتصال سرية مع طهران، مما أدى إلى محادثات التسوية الحالية. ثم جاء الانفجار في العلاقات بين نتنياهو وأوباما وبشكل أقل علانية، مع جنرالاته.

ولكن، ماذا عن تلك الأصداء الإقليمية الديمقراطية؟ تحققت بالفعل. في يناير 2011، استغل الديمقراطيون احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية في تونس تحوّل بعد ذلك إلى ثورة شعبية. امتدت هذه الاحتجاجات إلى مصر، ثم ليبيا وسوريا واليمن. وهذا كل ما توقّعه نتنياهو، ربيع عربي ناتج عن أصداء سقوط صدام حسين. وتوقّع ذلك أيضًا ديك تشيني وكوندوليزا رايس ومجموعة من الأكاديميين.

ولكن هذا الربيع لم ينجح في مسعاه كما وعدَ نتنياهو. واجه الطغاة هذه الاحتجاجات. انهارت الجماعات الديمقراطية الليبرالية، التي لم تكن قوة كبيرة، أمام المتطرفين الإسلاميين. انحدرت ليبيا في مستنقع من الفوضى. وأصبحت سوريا مكان للذبح. وسقطت اليمن في حرب أهلية. وأصبح أوباما مرتبكًا، يبحث عن حلول دبلوماسية لهذه الفوضى. أما حلفاء أمريكا العرب، مثل المملكة العربية السعودية والأردن ومصر، فكانت استجابتهم ضعيفة. أرادت واشنطن من القوى العربية المعتدلة أن تدير أمورها بنفسها، لكنهم لم يفعلوا ذلك.

وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير في الصيف الماضي، عندما سقطت العاصمة اليمنية في أيدي الحوثيين. في الستينيات، حاربوا عبد الناصر للدفاع عن القيادة التقليدية ضد الجمهوريين. وما زالوا يقاتلون النظام الجمهوري، ولكن الآن تدعمهم إيران، في جزء من طموحها الإمبراطوري الشيعي. وعلى الجانب الآخر، دخلت السعودية في القتال مرة أخرى، في ظل رؤية حصار إيران لجناحها الجنوبي، مع دعم كامل من جامعة الدول العربية. وكما هو الحال في سوريا، وفي ليبيا، يوفر أوباما الغطاء الجوي بينما ينشغل العرب يشؤونهم الخاصة. إنّه سلام أمريكي لمرحلة ما بعد العراق.

في الوقت الحاضر لا تسمع الكثير عن العراق كونها مصدر إلهام للربيع العربي، إلا في الدراسات الأكاديمية والتقديرات الاستخبارية. إنّه أمر محير للغاية.

مجلة أمريكية تعنى بدرجة رئيسية بشئون اليهود

اخبار ذات صلة