قائمة الموقع

الطفلة "مسك عليان" وحكاية مؤلمة للوداع الأخير.. ما قصة عريسها المنتظر؟

2025-05-01T12:19:00+03:00
الطفلة الشهيدة مسك عليان تصميم.jpg
شمس نيوز - وليد المصري

يقف "أحمد عليان" أمام جثمان طفلته المكفنة، في ساحة مشرحة مستشفى ناصر الطبي غربي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، وبعد أن أطال التحديق في وجهها الملائكي الصغير، أخرج هاتفه والتقط لها الصورة الأخيرة؛ ليحفظ تفاصيل ملامحها البريئة، والدموع تنهمر على خديه دون انقطاع. 

الطفلة "مسك أحمد عليان"، التي لم تتجاوز العامين من عمرها، ارتقت إثر استهداف من طائرات الاحتلال الحربية، لخيمة تأوي نازحين في مدينة خانيونس بتاريخ (28-04-2025م)، أدى إلى إصابتها بشظايا في رأسها واستشهادها على الفور، في حين أصيبت والدتها بجروح خطرة.

كانت "مسك" كل شيء بالنسبة لوالدها، فرحته الصغيرة التي جاءت إلى الحياة زمن الحرب، فقد وُلِدت خلال حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م، لكنها لم تعرف من الدنيا سوى وجعها، فارتقت مبكراً، خلال الحرب ذاتها، بصواريخ الاحتلال التي لا تفرق بين صغير ولا كبير، في مجزرة مروعة تنتهك كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.

مشهد الوداع كان مؤلماً بكل تفاصيله، من عيني الأب الذابلتين لفرط الدموع، إلى قلبه الذي كاد يتفطر حزناً، إلى يديه التي يمسح بهما وجه طفلته وكأنهما تحاولان الإمساك بها قبل الغياب الأبد. 

صمت الأب المكلوم لهنيهة من الزمن، حاول أن يكفكف فيها دموعه التي كانت تنهمر كالمطر، وبعد أن أخذ نفساً عميقاً، استجمع قواه، وقال بصوتٍ مخنوق لمراسل "شمس نيوز": "إن شاء الله بنتي بتكون عصفورة بالجنة، شفيعتي، حبيبتي، وروحي.."، ثم ما لبث أن انهار من البكاء ثانية، وأضاف: ربنا إذا أحب عبداً ابتلاه، وأنا ربنا ابتلاني في بنتي وزوجتي.. بنتي استشهدت، وزوجتي في العناية المركزة."

خلف هذا الوداع المؤلم، قصة أخرى لا تقل وجعاً، فوالدة الطفلة "مسك" التي أُصيبت بشظايا في رأسها، كانت قد فقدت أكثر من 44 فرداً من عائلتها دفعة واحدة في بداية حرب الإبادة، ولاتزال جثامينهم تحت أنقاض منزلهم في حي الزيتون بمدينة غزة، في ظل انعدام قدرة طواقم الدفاع المدني على انتشالهم بسبب عدم توفر المعدات والآليات اللازمة للحفر. 

يقول "عليان": "زوجتي يتيمة، ومقطوعة من شجرة، ما إلها لا أب ولا أخ، استشهدوا كلهم.. وهي اليوم بين الحياة والموت في العناية المركزة، وأنا واقف أدفن بنتي".

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

كانت الطفلة الشهيدة على الرغم من صغرها، محبوبةَ كل من حولها، وقد أسماها "مسك" الشهيد محمد البردويل، الذي كان يعتبرها كابنته، قبل أن يستشهد هو وابنه "صالح" وهو الطفل الذي تمنى والده أن يكون زوجاً لـ"مسـك" عندما يكبران، لكن الموت جمعهما قبل أن تفتح الحياة أبوابها لأي منهما.

يوضح عليان: "بنتي مسك أسماها الشهيد محمد البردويل، وكان يمازحني دوماً ويقول لي: بنتك مسك محجوزة لابني صالح لما يكبروا.. بس الاثنين سبقونا واستشهدوا، واليوم بنتي تزف لعريسها صالح في الجنة.

اختلط صوت "أحمد عليان" المتهدج بأنين قلبه المنكسر، وهو يسترجع كل لحظة قصيرة عاشها مع طفلته الشهيدة "مسك"، منذ ولادتها وحتى استشهادها، وهو يردد كلمات الوداع في اللحظات الأخيرة، يقول: "كانت هدية صافية من السماء، وجاءت وجاء رزقها معها، لم تتعبني أبداً لا صحياً ولا مادياً".

وختم كلماته المؤثرة، قبل أن يحمل جثمان طفلته لصلاة الجنازة عليها وموارتها الثرى: "الفراق صعب، لكن ما يواسيني أنها ستكون شفيعتي يوم القيامة، فقد أعطاني الله إياها، واسترد أمانته.. حسبي الله ونِعم الوكيل في الاحتلال".

وفي زاوية أخرى من ساحة الوداع، احتضنت عمة "مسك" جسدها الصغير المكفن بحنان، كأنها تودع جزءاً من روحها، وكانت عيناها تذرفان دموعاً لا تنضب، وصرخاتها تحمل من الحزن ما يعجز الكلام عن وصفه، بعد أن اختطف الاحتلال فرحتهم.

ومنذ 18 آذار/مارس الجاري، استأنفت قوات الاحتلال حرب إبادتها على قطاع غزة، بعد 58 يوماً من التوصل إلى صفقة وُقِّعت بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني، مع المقاومة بغزة بوساطة قطرية مصري أميركية، أفضت لوقف وقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين الطرفين.

ومنذ ذلك الخرق، في 18 مارس، استشهد 2,308 مواطنين، وأصيب 5,973 آخرين، جُلُّهم من النساء والأطفال.

وبدعم أميركي وتواطؤ غربي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023م، حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة مخلفاً أكثر من 52,400 شهيد و118,014 إصابة، وفق آخر إحصائية لوازرة الصحة بغزة.

وأشارت الوزارة إلى أن عدداً من الضحايا لا زالوا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

اخبار ذات صلة