"قبل الحرب كنت وردة مفتحة، نفسي أرجع أمشط شعري وأصلي وألعاب مع أصدقائي وأكل اللحوم والبيض؛ لكن أصبحتُ مثل الهيكل العظمي".. بهذه الكلمات المؤثرة وصفت الطفلة رهف عياد حالتها الصحية التي وصلت إليها بسبب إصابتها بمرض سوء التغذية الناتج عن عدم تلقي العلاجات أو تناول الطعام والمكملات الغذائية.
باتت الطفلة رهف (12 عاما) عبارة عن "هيكل عظمي" لا تقوى على الحركة أو ممارسة حياتها الطبيعية، ليصبح جسدها الهزيل صورة حيَّة لمعاناة عشرات آلاف الاطفال في قطاع غزة بفعل استمرار حرب الابادة واغلاق المعابر.
بدأت حكاية رهف قبل نحو (8 أشهر) عندما شعرت بآلام شديدة في قدميها وعدم القدرة على الحركة، حينها اعتقدت والدتها "شروق" أن الأمر يتعلق بالإرهاق والتعب الشديد، وما تحتاجه سوى بعضٍ من الراحة.
مرت الأيام والأسابيع ثقيلة على رهف وعائلتها؛ فحالتها بدأت تسوء أكثر فأكثر "فقدت وزنها وشهيتها وقدرتها على الحركة"، في تلك اللحظات المرعبة هرعت شروق للمستشفيات والعيادات الطبية وجميعهم أكدوا أن الأمر يتعلق بإصابتها بسوء تغذية، وما تحتاجه فقط هو غذاء صحي يحتوي على فيتامينات وبروتينات وعناصر غذائية أساسية.
حينها أصيبت شروق بصدمة قاسية؛ فحرب الإبادة والحصار الخانق ما زال مستمرا والأسواق فارغة تماما من العناصر الغذائية الأساسية.
بكلمات مخنوقة تقول شروق لمراسل "شمس نيوز": "كانت رهف خلال الأشهر الأولى من حرب الإبادة طفلة جميلة ونشيطة لا تتوقف عن تقديم الخدمة والمساعدة في تعبئة المياه والوقوف على التكايا، لكن قبل نحو ثمانية انقلبت حالها وساءت بشكل تدريجي حتى وصلت لهذا الشكل الذي يصعب على أي "أُم" أن تتقبله".
تساقطت الدموع من عيني شروق وهي تصف حالة ابنتها رهف "جسدها بدأ يذوب أمام عيني، ووجهها الشاحب بات ينذر بكارثة؛ إذ بدأ شعرها يتساقط، وجسدها بدأ يتنفخ، ثم فقدت وزنها، وجلدها تقشر، حتى عظم جسدها ظهر جليا"
لم تتوقف دموع شروق من السيلان على خديها أثناء وصف الحالة النفسية التي تمر بها طفلتها إذ تقول: "رهف طفلة كانت تمارس كل شيء لوحدها؛ لكن الآن لا تستطيع الحركة أو أن تُمسك بأناملها الصغيرة كاسة ماء؛ لا أعرف ماذا أفعل؟! فرهف باتت تصرخ من آلام بطنها كل يوم وتعزل نفسها عن صديقاتها واخوتها بسبب شكلها"، فهي تخشى من حالة التنمر التي تواجه الاطفال وهم بهذا الشكل.
وعلى يسار شروق تجلس رهف ممسكة بالهاتف النقال؛ وتقلب الصور بأناملها الصغيرة وفجأة توقفت على صورة لوجه طفلة نضر، وابتسامة مشرقة، وشعر طويل وناعم، وابتسامة مميزة".
وتُعد الطفلة رهف واحدة من آلاف الأطفال الذين باتوا عرضة للموت البطيء في غزة؛ إذ تُظهر الإحصائيات أن أكثر من 70,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، في ظل استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال حليب الأطفال والمكملات الغذائية الأساسية.
وتمضي الأم بالقول، وهي تضم ابنتها إلى صدرها بقوة، كأنها تحاول حمايتها من الموت نفسه: "أخشى من استمرار الاحتلال بمنع ادخال المساعدات والادوية ما يشكل خطرا حقيقيا على ابنتي رهف وجميع أطفال قطاع غزة، وأن يصبح مصيرهم مثل الطفلة جنان السكافي التي توفيت من الجوع وسوء التغذية".
وباتت الطفلة الصغيرة رهف تحلم بوجبة طعام متكاملة العناصر الغذائية الأساسية ليستعيد جسدها الصغير نموه، ونشاطه؛ ولتتمكن من اللعب مع أصدقائها الصغار.
ورغم كل شيء، ما زالت رهف متمسكة بالحياة. ما زالت ترسم على دفترها وردة صغيرة، وتكتب بجانبها: "أنا قوية وسأشفى"، وفي المساء، ترفع كفّيها إلى السماء، وتدعو بهدوء: "يا رب، خفف عني." أما أمها، فتردد دعاءها كل ليلة: "اللهم لا تكتبها شهيدة للجوع، أعد لي ابنتي كما كانت".
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
وحول تفسير حالات سوء التغذية في قطاع غزة حذر رئيس قسم الأعصاب في مستشفى الرنتيسي التخصصي الدكتور راغب ورش آغا، من كارثة إنسانية تتهدد حياة الأطفال في قطاع عزة لا سيما المصابين بسوء تغذية في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي من إغلاق المعابر ومنع دخول الأدوية والمساعدات الغذائية منذ الثالث من مارس الماضي.
وأوضح د. ورش آغا في تصريح سابق لمراسل "شمس نيوز" أن وزارة الصحة سجلت نحو 52 حالة وفاة لأطفال أصيبوا بسوء تغذية منذ بداية المجاعة في قطاع غزة، علمًا بأن الطفلة جنان اسكافي والتي توفيت قبل أيام عدة كانت تتلقى الخدمة داخل مستشفى الرنتيسي؛ ولعدم توفر الأدوية اللازمة والحليب المناسب واغلاق المعابر وقلة توفر الغذاء والبروتين توفيت الطفلة أمام عيون الأطباء.
وقال: "منذ إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر ومنع إدخال المساعدات الغذائية والأدوية في الثالث من آذار/مارس الماضي، واختفاء البروتينات والدهون والنشويات وحليب الأطفال من الأسواق، انتشرت ظاهرة سوء التغذية بين آلاف الأطفال وكبار السن".
وأضاف: "إن الحالات التي تم تسجيلها في مستشفيات قطاع غزة وتصنيفها ضمن "سوء التغذية" كانت تعاني من نقصٍ في الوزن ونقصٍ المناعة، وانتشار الالتهابات الحادة في الرئتين والدم"، مبينًا بأن الصحة صنفت سوء التغذية لدى الأطفال أو كبار السن ضمن ثلاث حالات "خفيف - متوسط – حاد".