غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

"لانا الشريف".. جلد مُشوَّه وطفولةٌ تغتالها حرب الإبادة

شمس نيوز - وليد المصري

تمسك "لانا" بقطعة مرآة صغيرة مكسورة، وتحدق فيها بصمتٍ حزينٍ؛ لتراقب ملامحها التي غزتها البقع البيضاء، بعد نوبة خوف شديد سببه القصف الإسرائيلي المستمر ضمن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م، بينما تجلس والدتها خلفها تمشط لها شعرها برفق، مخبئةً ما لم يعد يُخفى، ومحاوِلَةً إصلاح ما سببته الحرب من كارثة إنسانية ونفسية، ولو بالقليل من الحنان.

الطفلة لانا الشريف تعاني من مرض جلدي نادر بسبب الخوف من الحرب (1).jpg

لم تكن "لانا خليل الشريف"، التي لم يتجاوز عمرها 10 أعوام، تعاني من أي مرض قبل الحرب، بل كانت تعيش طفولة طبيعية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وكان وجهها مفعماً بالحيوية والجمال وبراءة الطفولة، تحب الذهاب إلى المدرسة ومساعدة والدتها، واللعب مع أقرانها وصديقاتها، قبل أن تحل الكارثة وتبدأ معاناة "لانا" وعائلتها.

الحكاية المؤلمة بدأت حين سقط صاروخ إسرائيلي غادر على منزل مجاور لمنزل "خليل الشريف" في مدينة رفح، زلزلت الأرض على إثره، وعَلت أصوات الانفجارات المرعبة، فارتعد جسد "لانا" الصغير، ودخلت في نوبة هلع وبكاء شديد لم يتوقف إلا بعد برهة من الزمن، بسبب الخوف "المزمن"، وبعد يومين فقط، بدأت تظهر على وجهها الطفولي بقعتان بيضاوان، كأن الرعب ترك بصمته على بشرتها قبل أن يغادر.

يقول والدها لمراسل "شمس نيوز": "بعد يومين من الحادثة، نظرت ابنتي في المرآة وقالت: 'ماما شوفي شو هاي إلى في وجهي؟'، وكانت بقعتان بيضاوان قد ظهرتا على وجهها، ومن هنا بدأت رحلتنا الطويلة مع هذا الألم."

الطفلة لانا الشريف تعاني من مرض جلدي نادر بسبب الخوف من الحرب (4).jpg

ويضيف "الشريف"، بعد أن زفر نفساً محملاً بالتعب: "أمضيتُ سنة ونصف من التنقل بين المستشفيات والنقاط الطبية الميدانية، وعيادات أطباء الجلدية، والمراهم، والتحاليل، لكن دون جدوى، وكانوا جميعهم يقولون: نشك بأنه بهاق، لكن لا أحد كان متأكداً، لأنه ليس بهاقاً بالشكل المعروف".

وبعد رحلةٍ مُضنية قام بها "الشريف" من البحث عن علاج لطفلته الصغيرة، صارحه أحد الأطباء بأن حالة ابنتك لا يوجد لها علاج هنا في قطاع غزة، بسبب الحرب واستهداف المرافق الصحية والطبية ومنع دخول المستلزمات الطبية، وابنتك تحتاج إلى علاج بالليزر في الخارج". 

هنا، توجه الوالد المتعب إلى مستشفى ناصر الطبي، لكن محاولاته كلها للحصول على تحويلة طبية قد باءت بالفشل، إذ قال له أحد الأطباء المسؤولين عن التحويلات الطبية: "لن نعطيها نموذج رقم 1 لأننا نتعامل فقط مع حالات السرطان أو أمراض القلب لدى الأطفال، وبالرغم من أن حالة ابنتك فريدة ونادرة، ويحق لها السفر للعلاج، إلا أنني أعمل ضمن تسلسل وزاري ولن أقدر على إعطائها نموذج رقم 1".

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

ويتساءل "الشريف: "كم من الوقت ستبقى هذه الطفلة هكذا؟ تعاني من سوء التغذية وعدم تلقي العلاج المناسب؟، كل يوم تذهب وتعود من عند الطبيب، حتى أصابها صدمة نفسية، لم تعد تتكلم أو تختلط بأحد، حتى الأطفال لا يلعبون معها، ولم تعد تذهب للمدرسة بسبب التنمر عليها".

ومع مرور الوقت، تحوَّل جلد الطفلة "لانا" إلى ما يشبه "جلد العجائز" -وفق وصف والدها-، حيث إن أطرافه تتساقط وتتشقق، إضافة إلى انعزالها عن العالم واعتكافها عن اللعب مع أقرانها وصديقاتها، وترفض الذهاب إلى المدرسة؛ بسبب الأطفال الذين يسخرون من شكلها، حيث يلقبونها بـ"المشوهة" و"المريضة"، وهو ما أدى إلى انهيارها نفسياً، والتأثير سلباً على حياتها، وحرمانها من التمتع بطفولتها التي ضاعت بين مقصلة الحرب وسنديان المرض. 

الطفلة لانا الشريف تعاني من مرض جلدي نادر بسبب الخوف من الحرب (2).jpg

داخل خيمة النزوح في إحدى مراكز الإيواء بمدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، تتابع الطفلة "لانا" حياتها دون أدنى مقومات الطفولة، وتنشغل في غسل وجهها باستمرار وبشكل يومي لشعورها بـ"حرقان الجلد"، علاوة على أنها تستيقظ منذ الصباح الباكر لتجلب الغداء من إحدى التكايا القريبة من مركز الإيواء، في ظل عجز العائلة عن توفير احتياجاتها بسبب الحصار الخانق ومنع إدخال المساعدات الإنسانية وارتفاع الأسعار نتيجة الحرب.

ويناشد "الشريف" العالم بأسره، بالوقوف معه، ومساعدته بعلاج ابنتي في الخارج من خلال الحصول على تحويلة عاجلة للسفر، قائلاً: "لا أريد أن أشاهد ابنتي تموت أمامي بالبطيء، ولا أريد لها أن تكون صفحة منسية أو حالة إنسانية عابرة لا ينظر إليها أحد".