ما أن تشير عقارب الساعة إلى الثامنة صباحًا من كل يوم حتى تحمل السيدة أم محمد "طنجرة" صغيرة وبجانبها أطفال صغار لتسير في شوارع مدينة غزة بحثًا عن تكايا خيرية تصنع وجبات من الطعام، لتخمد صرخات بطون أطفالها الجائعة، في ظل استمرار سياسة التجويع التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة المجرم بنيامين نتنياهو منذ بداية حرب الإبادة في السابع من أكتوبر 2023 وتفاقمت مع منع إدخال أي مساعدات إنسانية وإغاثية لقطاع غزة منذ الثالث من مارس 2025.
تدور السيدة أم محمد بأقدام في كل اتجاه شمالًا أو جنوبًا، شرقًا أو غربًا للبحث عن تجمع النازحين حول أقدار الطعام، إلا أنها تجد صعوبات كبيرة، تقول لمراسل "شمس نيوز": "الأمر بات صعبًا جدًا إذ أن أغلب تكيات الخير توقفت عن العمل مع تفاقم الأزمات الإنسانية عقب إغلاق الاحتلال المعابر ومنع إدخال أي مساعدات أو معونات إغاثية".
وتحاول السيدة أم محمد تعبئة ما تحمله من أواني بالطعام وسط ازدحام كبير بين النازحين الذين يتضورون جوعًا، لافتتًا إلى أن الأوضاع الكارثية وعدم توفر أي مساعدات إنسانية دفعت النازحين للتكدس حول تكايا الخير.
وتعيل السيدة نحو 8 أفراد جلهم أطفال يعانون من نقص حاد في الطعام والشراب: "كل يوم أبكي بشدة لعدم قدرتي على تلبية متطلبات الأطفال، تخيل أن يأتي إليك طفل لا يتجاوز عمره 5 سنوات ويقول لك أنا جوعان شو في أكل"، هذا المشهد المؤلم والمرعب يتكرر يوميًا بين العائلات الفلسطينية في قطاع غزة.
وعبرت السيدة عن حزنها الشديد لأن طعام تكايا الخير لا تكفي لسد جوع الأطفال فهي قليلة جدًا، مبينة أن تعبئة الأواني والطناجر بالطعام سواء أرز أو معكرونة أو بازيلاء في ظل الازدحام الشديد صعب جدًا وغير كافِ لأن صاحب التكية يقول "الطعام يجب أن يكفي للناس"، علمًا بأن نصف الناس تعود لخيامها دون أن تحصل على وجبة من التكية.
وفي السياق ذاته قال أبو شاهر صاحب إحدى تكيات الخير غرب غزة: "نعمل منذ بداية الحرب على غزة بكامل طاقاتنا؛ إلا أن تفاقم الأزمات دفعتنا لتقليص خدماتنا كثيرًا، فما زلنا نعمل بجهود لا تزيد عن 20% ".
"لا يوجد سلع غذائية في الأسواق سوى المعكرونة والأرز" يكمل أبو شاهر والألم يعتصر قلبه: "الأسواق فارغة وبالكاد نحصل على بعض المعلبات لنصنعها للناس، مع إشارته إلى أنه كان يصنع 15 قدر من الطعام لكن اليوم فهو لا يستطيع صناعة 3 أقدار فقط.
ويوثق أبو شاهر الآلام من خلال النظر في عيون الأطفال والكبار سواء رجال أو نساء وهم يتجمعون حول أقدار الطعام ويضيف: "الأمور صعبة جدًا نصف الناس يحصلون على الطعام والنصف الأخر يعود دون أن يحصل ما يزيد من الألآم التي تعتصر قلبي"
ووسط اشتداد أزمة المجاعة في قطاع غزة يطالب أبو شاهر جميع القلوب الرحيمة في العالم لإنقاذ الإنسانية والطفولة في القطاع بالضغط على "إسرائيل" لإدخال المساعدات سواء طحين أو معلبات أو بقوليات ووقود لإنقاذ البشرية من المجاعة القاتلة التي تتفشى في كل خيمة من خيام النازحين.
يُشار إلى أن وزارة الصحة في قطاع غزة أعلنت في تصريحات سابقة عن وفاة نحو 57 طفلًا نتيجة سوء التغذية وقلة الطعام، مناشدة العالم بضرورة وقف الحرب وإدخال المواد الأساسية المنقذة للحياة فورًا بكميات كافية.
وكان المكتب الإعلامي الحكومي أكد أن قطاع غزة بحاجة ما بين 500 إلى 550 شاحنة يوميًا من المساعدات الأساسية للتخفيف من أثر المجاعة التي تفاقمت بشكل كبير منذ الثالث من مارس الماضي.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
وبعد ضغوط دولية وعالمية اُجبرت "إسرائيل" على إدخال 87 شاحنة فقط من مساعدات متنوعة إلى قطاع غزة، تم تخصيصها لصالح عدد من المؤسسات الدولية والأهلية، وذلك ضمن جهود توزيعها على أبناء شعبنا الفلسطيني لتلبية جزء من احتياجاتهم الإنسانية الملحّة.
وجاء ذلك بعد أن انتظرت الشاحنات ثلاثة أيام على معبر كرم أبو سالم التجاري، على الحدود الجنوبية لقطاع غزة، حيث خضعت لتفتيش أمني دقيق من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي المسيطر على المعبر.
الوضع الإنساني الصعب ويتفاقم في ظل استمرار المعارك، والقصف الإسرائيلي الذي يطال مناطق واسعة شمال القطاع وجنوبه، مخلفا عشرات الشهداء والمصابين، بينهم نساء وأطفال.