رغم مرور أكثر من 17 شهرًا على بدء حرب الإبادة الإسرائيليّة على غزة، تتزايد مؤشرات الانقسام داخل المؤسستين الأمنية والسياسية في "إسرائيل". وبينما تستمر العمليات العسكرية بوتيرة متقطعة، تتوالى تحذيرات غير مسبوقة من قادة عسكريين وصحافيين بارزين، تشكك في جدوى استمرار الحرب ومآلاتها السياسية والإنسانية.
تشترك هذه التحذيرات في التشكيك بفاعلية الضغط العسكري، وتُظهر فقدانًا متزايدًا للثقة بإمكانية تحقيق "الانتصار"، كما تحذّر من تدهور الدعم الدولي واتهامات بتجاهل قضية الأسرى.
ألون بن دافيد، المحلل العسكري في قناة 13، وصف الوضع بأنه "انحدار في المعنويات"، مشيرًا إلى أن القصف لم يعد يحقق أي نتيجة ملموسة. وقال إن الجنود يعودون من ليالٍ دامية ويتساءلون: "هل ما نفعله مبرر؟ وهل يخدم الهدف؟"، مضيفًا أنّ التقدم الميداني أُبطئ عمدًا لتقليل الإصابات: "الأمان أهم من السرعة، حتى لو كان الثمن بطئ التقدم".
وفي كشف نادر، تحدث بن دافيد عن خطة "ترحيل طوعي"، مشيرًا إلى إقامة مراكز لوجستية في رفح تهدف إلى احتواء مليوني فلسطيني، ضمن رؤية ترمي إلى إفراغ باقي القطاع من سكانه. وأضاف: "خلال أيام سنشهد بدء تشغيل هذه المراكز".
رؤية بن دافيد القاتمة تكررت في تصريحات الجنرال المتقاعد نمرود شيفر، الذي قال بوضوح إن "الضغط العسكري لا علاقة له باستعادة الأسرى"، مشيرًا إلى عرض قدّمته حركة حماس لوقف الحرب مقابل صفقة تبادل، ورفضته الحكومة الإسرائيليّة.
الصحافي أفيعاد جليكمان كان أكثر حدة، متهمًا الحكومة صراحةً بالتخلي عن الأسرى، مضيفًا: "لا نصر دون عودة الأسرى. لكن الحكومة ترفض دفع الثمن، ولا تريد إعادتهم".
أما يوسي يهوشواع، فسلّط الضوء على استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح ضغط، لافتًا إلى خطة تسليم المساعدات لشركات مدنية تحت إشراف الجيش، بهدف "فصل السكان عن حماس" ودفعهم جنوبًا.
التحذيرات لم تقتصر على الجبهة العسكرية. غيورا آيلند، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي، حذّر من انهيار شامل في حال استمرار الحرب دون رؤية سياسية واضحة، قائلًا: "قد نخسر كل شيء: المخطوفين، والجنود، والاقتصاد، والدعم الدولي، من دون تحقيق أي هدف لأنه لا توجد خطة سياسية".
الصحفي آري شبيط وصف الوضع بأنه "مخاطرة مجنونة"، مؤكدًا أن "إسرائيل" فقدت الشرعية الدولية، وأن غياب الوحدة الداخلية يعمّق الخسائر. وقال: "نحن نهزم أنفسنا بأنفسنا".
حتى في صفوف الائتلاف الحاكم، بدأ التململ بالظهور. النائب عميت هاليفي من حزب الليكود انتقد الأداء العسكري والسياسي، مؤكدًا أن العملية البرية لم تحقق أهدافها، وأن حماس لا تزال تحكم غزة. وسأل: "لماذا يُرسل الجنود إلى بيت حانون ليموتوا، إن لم تكن هناك نية للقضاء على حماس؟".
وفي الخلفية، أفاد مراسل الشؤون العسكرية في قناة "كان"، إيتاي بلومنتال، بأن واشنطن كانت على علم مسبق بخطط توسيع الحرب، ولم تُعارض. ونقل عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن المفاوضات مع حماس "ستستمر تحت النار"، بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة.