وسط الخيام المنتشرة في منطقة المواصي جنوب قطاع غزة، يواجه الأطفال صيفًا قاسيًا في ظل انعدام أبسط مقومات الراحة. مع غياب الكهرباء والمراكز الترفيهية، تحولت أيامهم إلى روتين ثقيل يفتقر لأدنى حقوق الطفولة. وفي الوقت الذي ينشغل فيه الكبار بتأمين الاحتياجات الأساسية، يحاول الصغار التكيّف مع واقع فرضته الحرب، داخل بيئة غير مهيأة للحياة.
في خيمة مهترئة نُصبت على أرض رملية بلا أساس، تحيط بها قطع من النايلون المشدود والقماش الخفيف، يجلس الطفل أمير (8 أعوام) محاولًا الاحتماء من شمس الصيف الحارقة بقطعة قماش مبلولة. لا تبريد يخفف الحرارة، ولا سقف يردّ الشمس، فيما تتحوّل الخيمة مع كل نهار إلى ما يشبه الفرن المغلق.
في محيط الخيام، تحوّلت العلب الفارغة وقطع القماش القديمة إلى أدوات للعب، بينما لجأ آخرون إلى ألعاب شعبية تقليدية مثل "السبع حجار" و"الغميضة" للهروب من الملل، في غياب تام للمخيمات الصيفية أو البرامج الترفيهية.
يقول الطفل يوسف (10 أعوام):
"قبل الحرب كنت أذهب إلى مخيمات صيفية وألعب مع أصحابي، كان في أنشطة وألعاب كتير حلوة. بس الآن، إحنا قاعدين هون بالخيم، والشوب كتير والحر ما بينتهي، وما في شي يفرحنا أو يخلي الوقت يمرّ."
وتقول الطفلة إيلين (11 عامًا):
"قبل الحرب كنت أروح على نادي الرسم مع صحبتي، كنا نرسم ونضحك كتير. بس الحرب خربت كل شي، وألواني ضلت بالبيت تحت الركام. بتمنى تخلص الحرب وأرجع أشوف صحبتي ونرسم سوا من جديد."
في ظل غياب المراكز التربوية والثقافية، لجأت بعض العائلات إلى تنفيذ مبادرات فردية داخل الخيام، مثل تعليق أرجوحات خشبية أو تخصيص زوايا بسيطة للرسم والتلوين. ومع ذلك، تبقى هذه الجهود محدودة، ولا تلبي احتياجات آلاف الأطفال الذين وجدوا أنفسهم محرومين من أبسط حقوقهم في اللعب والتعليم.
تضيف أم عمار، بصوت يختنق بين الألم والأمل: "أطفالي صاروا يحسوا إنهم محبوسين وسط الخيمة، ما في لهم مكان يلعبوا فيه أو يرتاحوا من حر الصيف وهموم الحرب. بشوف تعبهم على وجوههم، وبحس قلبي بنكسر كل مرة بيبكوا أو يسألوا عن حياتهم القديمة. رغم كل شيء، بحاول أكون لهم سند وأحميهم، بس الظروف صعبة كتير."
تعكس حالة الأطفال داخل الخيام الواقع الصعب الذي تعيشه العائلات النازحة، حيث تزداد المعاناة مع ارتفاع درجات الحرارة والضيق، ما يؤثر بشكل مباشر على صحة الأطفال النفسية والجسدية. فغياب الأماكن الآمنة للعب والراحة يحرمهم من أبسط حقوق الطفولة، ويزيد من شعورهم بالخوف والتوتر، مما يجعل مهمة الأمهات في توفير الحماية والرعاية تحديًا يوميًا يثقل كاهلهن.
وبحسب إحصائية صادرة عن مركز إعلامي فلسطيني، فإن أكثر من 650 ألف طفل نازح في قطاع غزة حُرموا من الالتحاق بأي برامج صيفية أو تعليمية هذا العام، نتيجة استمرار العدوان وتدهور الأوضاع المعيشية.
ومع كل الصعوبات والتحديات، يظل صوت ضحكات الأطفال يتردد بين الخيام، يعكس صمودهم وأملهم في غدٍ أفضل. هذه الضحكات هي نداء صامت للمؤسسات والجهات المعنية، تحثهم على تقديم الدعم اللازم لإنقاذ طفولة آلاف الأطفال وإعادة البسمة إلى وجوههم.
