تحتضن ليلى رضيعها هاني بين ذراعيها وترضعه في أمن وأمان وسط ابتسامات تعلو شفاهها وشقيقاتها السبع، وهن ينظرن إلى الرضيع: "ما أجمل عيونه! ولون بشرته! عندما يكبر سيصبح طبيب أطفال" هكذا كان المشهد قبل أن تصل عقارب الساعة إلى الواحدة ظهرا حتى انقلبت حياتها رأسا على عقب.
سقطت جدران الشقة وامتلأ المكان بالدخان، وتعالت صرخات النسوة: "انقذونا! انقذونا! هل الجميع بخير؟"، مدت الأم أناملها المرتجفة والدماء تخرج من جسدها، صوب رضيعها؛ لتصعق من هول المشهد، قدم رضيعها بترت وشقت مؤخرته وبطنه من الشظايا المتناثرة.
الرضيع هاني زيارة (4 شهور) أصيب مع والدته ليلى وخالاته جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلتها في حي التفاح شرق مدينة غزة، إذ نزحت ليلى وأسرتها تحت القذائف المدفعية وصواريخ الطائرات والرصاص المنهمر فوق رؤسهم من حي الشجاعية لتستقر في منزل عائلتها.
مشهد إصابة الرضيع هاني وبتر قدمه دفع الأم الجريحة لنسيان ما أصابها من شظايا في مختلف أنحاء جسدها؛ فهرعت مسرعة وسط غبار القصف وركام المنزل حتى وصلت لمستشفى المعمداني لإنقاذ فلذة كبدها.
صوت -زامور سيارة مدنية- يعلوا بشدة في ساحة مستشفى المعمداني شرق غزة دون توقف، هرع المصورون وتجمع الرجال والنساء ليصابوا كلهم بالصدمة أم فلسطينية تخرج متشحة بالسواد نتيجة غبار الركام والدخان المتصاعد وتحمل بين ذراعيها رضيع مبتور القدم.
فورا هرع الأطباء لغرفة العمليات لانقاذ الطفل وتطبيب جراح والدته التي قالت لمراسل "شمس نيوز": "الاحتلال قصف منزل عائلتي في حي التفاح وجميع من بالبيت أصيب بجروح مختلفة، كان هاني أخطرها".
بعد أيام شخص الأطباء حالة هاني بالمستقرة، إذ أشارت والدته إلى أنه أصيب ببتر في ساقه كلها من الحوض وجزء من مؤخرته ما سبب له مشاكل كثيرة في فتحت الشرج والمثانة والأمعاء.
لم تتمالك ليلى نفسها، فبكت بحرقة على رضيعها، ورددت وهي تمسح على قدمه المبتورة: "ما ذنب هذا الرضيع ليتم بتر قدمه؟ هل هو بنك أهداف نتنياهو؟ طفل لم يتجاوز 4 شهور لم يتمكن من الكلام ولا الزحف ولم يأكل لوحده هل يشكل خطرا على إسرائيل؟".
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
صرخت الأم المكلومة على رضيعها وتركت اسئلة عدة للعالم وما يطلق عليه مؤسسات حقوق الطفل: "لماذا يحرم طفلي من الحياة؟ لماذا يُحرم من كل مراحل طفولته؟ لم يزحف ولم يمشي بعد؟، كنت أتمنى أن يصبح طبيب أطفال، الآن أصبحت أمنيتي فقط علاجه وانقاذه من الموت".
"ابني هاني يحتاج لعلاج خارج قطاع غزة هنا لا يوجد امكانيات أو علاجات أو أدوية الوضع الصحي كارثي، وبقاءه في غزة يشكل خطرا على حياته"، مناشدة أم هاني للعالم ولمؤسسات حقوق الانسان وحقوق الطفل.
وأدت الحرب على قطاع غزة إلى "أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث"، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا".
وقدرت منظمة الصحة العالمية، بأن ما يصل إلى 17500 شخص من البالغين والأطفال أصيبوا بإصابات بالغة في الأطراف، ما جعلهم في حاجة إلى إعادة التأهيل والمساعدة العاجلة.
وتفتقر المستشفيات منذ بداية الحرب حتى الآن إلى الأدوية التي كان من شأنها أن تجنّب عمليات البتر، ويتحدث الأطباء عن قطع أطراف بسبب التهابات كان من المفترض أن تُعالج بسهولة.