لم يتخيل النازح "أبو أحمد" أن يتقاسم راتبه مع شخص لا يتجاوز الثامنة عشر من عمره دون حق -على عينك يا تاجر-؛ لكن الواقع المُر في قطاع غزة أجبره وغيره مئات ألاف النازحين للتعامل مع تجار العمولة المرتفعة لتوفير السيولة وشراء الطعام لأطفالهم الذين يتضورون جوعا.
يتحصل أبو أحمد من عمله في إحدى المؤسسات على راتب شهري يصل إلى (1600 شيكل) يتم رصده في حسابه البنكي؛ وبسبب حرب الابادة واغلاق البنوك انتشرت ظاهرة "تسيل العمولة" وقد بدأت ترتفع تدريجيا حتى وصلت حاليا ما بين (37% و 48%).
ويتعمد بعض التجار والباعة إطلاق اسم "تسيل العمولة" تخفيفا على جريمتهم إذ يطلق عليها الدعاة والشيوخ اسم (الربا) نظرا لخطورتها دينيا واخلاقيا واجتماعيا.
والربا في الشرع: هو الزيادة في أحد النوعين من المال على النوع الآخر، هذا إذا كانا من جنس واحد، كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير ونحو ذلك، إذا زاد أحدهما على الآخر هذا يقال له: ربًا شرعًا، ممنوع شرعًا، فليس للمسلم أن يبيع درهمًا بدرهمين، ولا دينارًا بدينارين، إذا كانت زنة الدينار واحد، فإن هذا ذهب بذهب أزيد، وفضة بفضة أزيد.
يتصبب جبين أبو أحمد عرقا، ويقف بوجهٍ غاضب واضعا يده على خاصرته، ويردد متأففا: "والله حرام الي بصير فينا يا عالم اتقوا الله هادا ربا، انا لازم أحول من التطبيق البنكي 1640 شيكل عشان احصل على 1000 شيكل كاش، يا الله على هالحرام".
ويوضح أبو أحمد لمراسل "شمس نيوز": "بأن نسبة العمولة -الربا- بلغت نحو 42% في أسواق قطاع غزة تختلف النسبة من تاجر لأخر ومن منطقة لأخرى وفق أهواء الباعة".
ويربط الباعة وتجار السيولة اختلاف نسبة العمولة -الربا- كما يشير أبو أحمد بنظافة وجودة الأوراق النقدية: "هناك سيولة صفر عمولة؛ لكن الأوراق النقدية مهترئة وممزقة وقديمة وهذه الأوراق لا يتعامل معها الباعة المتجولين مطلقا".
"بكم الربا اليوم؟"، يقطع حديثنا أحد المارة الذي بدا عليه التعب الشديد، يقول ياسر لمراسلنا: "اكثر من ساعتين وانا ببحث عن سيولة بنسبة عمولة -ربا- تكون اقل من (40%) دون جدوى".
واستدرك ياسر خلال حديثه: "هناك نسب متدنية في السوق تصل إلى (20%) لكن الأوراق النقدية مهترئة وممزقة لا يقبل بها باعة البقوليات والخضروات".
يشير إلى أن المعاناة تتضاعف بدلا من أن يتكاتف المجتمع في غزة بسبب حرب الابادة، نشاهد السرقات والغش والربا والفساد والظلم واكل مال اليتيم يتضاعف يوميا.
"عندما تعاملت لأول مرة في الربا شعرت بتأنيب الضمير، لم أرَ النوم وأنا أفكر فيما فعلت لأنني متأكد تماما أن الله تعالى سيحاسب أهل الربا عاجلا أو آجلا"، ويتساءل ياسر باستغراب "كيف يكون حال تاجل الربا الذي يحارب الله ورسوله يوميا دون أن ترمش عينيه خوفا مما سيصيبه؟".
وعلى زاوية أخرى من مفترق السرايا غرب غزة تقف السيدة أم عوني ويحيط بها أطفالها، تنتظر أن يلتفت إليها أحد باعة السيولة -الربا- قالت لمراسلنا: "خرجت من الصباح الباكر للبحث عن نسب متدنية للعمولة لاشترى 2 كيلو طحين وأسد جوع أطفالي".
وبحسبة بسيطة فإن السيدة أم عوني تحتاج لتحويل مبلغ بنحو (200 شيكل/60 دولارا) على التطبيق للحصول على (120 شيكل كاش/37 دولارا) لشراء (2 كيلو طحين).
أم عوني واحدة من مئات آلاف النسوة في غزة اللاتي يتعرضن لظلم تجار الربا، تقول: "بدعي عليهم ليل نهار الله ينتقم منهم ويخلصنا منهم لانه الحرب في كفة والربا والفساد المجتمعي في كفة أخرى".